ألان سركيس
تستمر الطبقة السياسية في استنزاف الوقت ومقدرات البلاد ودولارات المودعين من دون أن تبادر إلى تأليف حكومة إصلاحية تضع خطة الإنقاذ على السكة الصحيحة.
وبدل أن يجلس المسؤولون بين بعضهم البعض ويبحثوا ليلاً ونهاراً عن حلّ للأزمة الإقتصادية والإجتماعية العاصفة، ها هم يدخلون في حرب من نوع آخر لم يشهدها لبنان من قبل وهي حرب التشكيلات الحكومية، مع إدراك الجميع أن الرئيس المكلّف سعد الحريري لن ينجح في عملية التأليف الصعبة وأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يتمكّن من إنقاذ ما تبقى من عهده، الذي يُعتبر من أقسى العهود التي مرّت في تاريخ لبنان.
واللافت في الإقتراحات وتسريبات التشكيلات الحكومية أن الحريري إقترح أن يمنح الحزب “التقدمي الإشتراكي” والطائفة الدرزية حقيبة سيادية تتمثّل بها، وهذه الحقيبة كما بات معروفاً هي حقيبة الخارجية والمغتربين.
في الظاهر يشكّل هذا الطرح للرئيس المكلّف نقطة تحوّل ومكسباً للطائفة الدرزية ولرئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، ذلك أنه كان ممنوعاً على الدروز أن يدخلوا إلى نادي الحقائب السيادية بعد “اتفاق الطائف”، كذلك فان جنبلاط قد حُرم من هذه الحقائب خصوصاً في فترة ما بعد 2005.
هذا في الظاهر، أما في باطن الأمور، فتسأل مصادر الحزب “التقدمي الإشتراكي” عبر “نداء الوطن”: “يتكارمون علينا بإسنادنا “الخارجية”، لكن أي سياسة خارجية سنديرها وسنكون وزراء خارجية لأي دويلة من دويلات لبنان المنقسمة على ذاتها؟”.
وكما يبدو فان الحريري إقترح أن تذهب وزارة الخارجية السيادية إلى الدروز فيما تتخلّى الطائفة السنية عن هذه الوزارة، أي تصبح التوزيعة على الشكل الآتي: الخارجية للدروز، الداخلية للمسيحيين الأرثوذكس شرط أن يسميه الحريري، الدفاع أيضاً للمسيحيين الموارنة ويسمي الوزير رئيس الجمهورية، وحقيبة المال لـ”الثنائي الشيعي”.
لكن “الإشتراكي” لا يرى في كل ما يحصل مكاسب للدروز، ويقول: “ماذا تفعل وزارة الخارجية، نعم تخلّوا عن “الخارجية” لكنهم أخذوا في المقابل الوزارات الخدماتية الدسمة، أي الطاقة والإتصالات والأشغال والصحة والتربية والشؤون الإجتماعية، فهذا الزمن ليس زمن الحقائب السيادية بل زمن الوقوف بجانب الناس وتقديم الرعاية الإجتماعية والصحية لهم، ولو كانوا صادقين فليعطوا الدروز حقيبة المال أو الداخلية”.
وعلى رغم عدم رضى جنبلاط عما يحصل حكومياً، وقد عبّر عن ذلك في تغريداته بعد زيارة الرئيس الحريري بعبدا، إلاّ أن مصادر “الإشتراكي” تؤكّد أنه إذا أُسندت “الخارجية” إلى الدروز فان آلية العمل المتفق عليها، هي أن يطرح الحريري أسماء عدّة على أن يختار جنبلاط من بينها اسماً واحداً، لكنه في الوقت نفسه لا تستبشر المصادر خيراً في كل الحركة التي تحصل، وتستبعد ولادة الحكومة قريباً لأن الأكثرية الحاكمة تنتظر كيف ستكون سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، بعد أن يتولى المرشح الفائز جو بايدن عرش “البيت الأبيض”، مع أن الوقت لا يسمح بالإنتظار، كما أنّ السياسات الأميركية لا تتغير بتغير الأشخاص.
يُشدّد “الإشتراكي” على أنه ينتظر إنتهاء طبخة الطباخين الحكومية ليبني على الشيء مقتضاه، في حين يؤكد جنبلاط أنه اتخذ القرار الواضح بتسهيل مهمة التأليف وعدم عرقلة المبادرة الفرنسية، والوقوف حجر عثرة في درب نشاط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لذلك سيقبل بكل ما يسهّل تأليف حكومة وإنقاذ البلد من الهاوية التي سقط فيها.
“نداء الوطن”