عباس صياغ
زائر الضاحية الجنوبية لبيروت هذه الأيام يلاحظ الإجراءات الأمنية لـ”حزب الله” وخصوصاً مع حلول ساعات المساء. فما أسباب هذا التأهب؟
يسود اعتقاد لدى “محور المقاومة” ان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب قد يختم مشواره الرئاسي بعمل عسكري يستهدف “دولة ممانعة”، وفي هذا السياق جاء اغتيال العالِم الإيراني محسن فخري زاده، وإنْ كانت واشنطن ليست الأداة التنفيذية لجريمة الاغتيال التي بات المتهم الأول وربما الوحيد فيها هو إسرائيل التي تلعب في وقت الفراغ القاتل الفاصل عن 20 كانون الثاني المقبل موعد دخول الرئيس المنتخَب جو بايدن البيت الأبيض وبدء سياسة أميركية جديدة حيال المنطقة، ولا سيما مع طهران.
هذه الوقائع لم تكن بعيدة عن كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة قبل شهر عندما دعا الى الحذر في هذه الفترة.
أما داخلياً، ومع كثرة الحديث عن اغتيالات وتفجيرات واعمال امنية استناداً الى تقارير امنية داخلية وغربية، فإن مرجعاً امنياً يؤكد لـ”النهار” ان “لا شيء ملموساً، وان المعلومات تستند الى تحذيرات، واليقظة الأمنية في هذه الفترة هي عادية وربما تجاوزت ذلك بعض الشيء نظراً الى اختمار أسباب التوتر”. ويجزم المرجع الأمني بان “التحذير الجدي الوحيد جاء من عاصمة أوروبية لصيقة بالوضع اللبناني، وخلصت الى ان بؤرة التوتر المحتملة قد تكون في المخيمات الفلسطينية، خصوصاً في الجنوب والشمال”.
وماذا عما أُشيع عن توقيف عناصر إرهابية في الفترة الأخيرة؟ ينفي المرجع الأمني نفسه الامر مؤكداً ان “هناك متابعة حثيثة لبعض الخلايا الإرهابية بعد توقيف أفراد خلية كفتون والخلية الأخرى في وادي خالد”.
أما في الضاحية الجنوبية فإن “حزب الله” ينشر منذ أيام عناصره عند مداخل المنطقة وسط تأهب ومراقبة الداخلين الى الشوارع والأحياء، عدا عن تدابير أخرى اتخذها الحزب الأسبوع الفائت، وكل ذلك يأتي ضمن الإجراءات الوقائية بسبب إمكان تهوّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبحثه عن تسجيل انتصار ولو موضعياً قد يساعده مع اشتداد المعارضة الداخلية له، وان تل ابيب تعتقد ان الحزب ومعه ايران وسوريا لن ينجروا الى الرد على أي اعتداء اسسرائيلي في هذه الفترة، ولا سيما ان ترامب اعلن سابقاً ارسال قاذفات استراتيجية الى المنطقة.
الى ذلك، يسود الحذر الحدود الجنوبية مع استمرار معادلة الردع وتكرار نصرالله ان المقاومة سترد على مقتل احد عناصرها في سوريا في 21 تموز الفائت، وان الامر رهن الميدان ولا تغيير في المعادلة، وهذا ما يفسر حركة المقاتلات الاسرئيلية شبه المتواصلة فوق البلدات الجنوبية الحدودية وصولاً الى النبطية والضاحية الجنوبية.
هذه المعطيات دفعت الحزب الى تعزيز اجراءاته ورفع مستوى التأهب، فضلاً عن تعزيز الرقابة على مراكزه ومؤسساته في أكثر من منطقة، إضافة الى رفع مستوى إجراءات الحماية لكوادره ومسؤوليه.
أما الحديث عن مغادرة السيد نصرالله لبنان الى ايران فتضعه أوساط مواكبة في إطار حرب نفسية يحاول البعض خوضها وهي خاسرة سلفاً.
فــي الخــلاصــة، إن التــلويح والتخويف بعمليات اغتيال ليس في موضعه، وان كل ما جرى تداوله لا يستند الى معلومات موثقة وانما الى تحليلات، وإنْ كان القلق الوحيد الأكثر منطقياً يكمن في الانفجار الاجتماعي الذي سيتخذ أشكالاً مغايرة لما كان يشهده لبنان مع احتدام الازمة الاقتصادية والبدء باتخاذ قرارات غير شعبية على شاكلة ترشيد الدعم في المرحلة المقبلة، ما سيترك تداعيات غير قليلة لأسباب عدة، منها ان جماهير الأحزاب السلطوية لم تعد تستطيع السكوت بعد تدهور احوالها المعيشية وارتفاع الأسعار وفقدان القدرة الشرائية، ما يستدعي الحذر من غضب آت.
“النهار“