الخبر بالصوت

‎اذا صح ان لقاء النصف ساعة الخاطف بعد انقطاع ثلاثة أسابيع، يعد تقدما باعتبار انه أدى ‏الى “ربط نزاع” إضافي، ولو واعد، في اجتماع يفترض ان يدوم ويتعمق اكثر في تعقيدات، ‏وربما استحالات مأزق تأليف الحكومة الجديدة، فان ذلك يقود الى خلاصة واحدة هي ان ‏‏”ظهور” الرئيس المكلف سعد الحريري في قصر بعبدا امس أعاد فتح مسار الكلام ولكنه لم ‏يفتح مسار الانفراج. وليس من المغالاة القول ان الأولوية التي احتلت المشهد الداخلي، ‏والمرشحة لاحتلاله في الأيام الطالعة أيضا، تتمثل في تقدم مسألة رفع الدعم عن السلع ‏الاساسية، وهي المسألة الحارقة التي باتت تعني اكثر من ثلثي الشعب اللبناني المنزلق ‏باطراد بأكثريته الى مستويات الفقر والعوز والحاجة بما دفع الأمم المتحدة الى دق ناقوس ‏الخطر حيال كارثة محدقة بلبنان حيال أي رفع مرتجل للدعم او غير مقترن بضمانات ‏اجتماعية. ولذا وطبقا لما أوردته “النهار” امس بدا السباق لاهثا وحارا وخطرا بين التداعيات ‏البالغة الخطورة للازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المنذرة بالانهيار الكبير، وما بين ‏مسار معطل ومعقد لتأليف الحكومة الجديدة وقدرة محدودة لحكومة تصريف الاعمال ‏على تسيير الحد الممكن من الأمور الملحة على غرار ما يجري في محاولات معالجة مسألة ‏الدعم وسط التحركات والاعتصامات وقطع الطرق رفضا لرفع الدعم‎.‎
‎ ‎
ومع ذلك نظرت الأوساط السياسية والديبلوماسية في معظمها الى التحرك الجديد الذي ‏شرع فيه الرئيس الحريري امس بعين إيجابية لجهة انه وضع حدا لفترة الغموض والجمود ‏التي استمرت ثلاثة أسابيع، ولو ان المعطيات التي أملت ذلك الجمود ليست في مرمى ‏الحريري، بل لدى من تسبب برمي الشروط التعجيزية لتعطيل مهمته. كما ان هذا التحرك ‏ولو انه يأتي وسط تنامي الشكوك في امكان تحقيق اختراق جدي من شأنه فتح الباب امام ‏احتمال تأليف الحكومة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة اقله كما يوحي الواقع الان، لا يمكن ‏اغفال دلالاته داخليا من خلال استشعار الحريري فداحة سياسة الانتظار فيما البلاد تتقلب ‏على صفيح انهيارات وازمات متصلة ومترابطة، وكذلك خارجيا لملاقاة عودة الاهتمامات ‏البارزة بلبنان من خلال مؤتمر الدعم الدولي الثاني للشعب اللبناني الذي نظمته فرنسا ومن ‏ثم بدء الاستعدادات للزيارة الثالثة التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان ‏قبل نهاية السنة، وكذلك من خلال احتضان الاتحاد الأوروبي مجتمعا للمبادرة الفرنسية بما ‏شكل مظلة واسعة لها ويوسع اطار الالتزامات اللبنانية باستعجال تشكيل الحكومة وفق ‏معايير هذه المبادرة‎.‎
‎ ‎
والحال ان نتائج زيارة الحريري امس لقصر بعبدا لم تخالف التوقعات المسبقة التي ‏استبعدت ان يحقق اللقاء نتائج إيجابية تتجاوز اطار عودة التواصل المباشر بين الرئيسين ‏اللذين تطبع علاقاتهما موجات جفاف وتباينات عميقة حول تأليف الحكومة كما تختبئ وراء ‏هذا الجفاف حرب باردة مكشوفة بين الحريري والرجل النافذ في العهد العوني النائب ‏جبران باسيل. وإذ لم يدم الاجتماع بين عون والحريري سوى نحو 25 دقيقة بدا الحريري لدى ‏خروجه متجهما واكتفى بالقول للصحافيين:” تشرفت بلقاء فخامة الرئيس وتشاورت معه ‏والأربعاء سأعود في مثل هذا الوقت وسيكون هناك لقاء نحدد فيه الكثير من الأمور ‏الأساسية ان شاء الله‎”.‎
‎ ‎
تحرك ولا أوهام
ووفق المعطيات المحيطة باللقاء، فان مجرد حصوله يؤشر الى تحرك جديد في عملية ‏التاليف. وقد جرى نقاش بينهما حول الأسباب التي أدت الى توقف التواصل كما عرضت ‏بسرعة الحلول الممكنة للعقد التي تحول دون التأليف. وتشير هذه المعطيات الى ان ‏الحديث تناول بعض الأسماء وبعض الوزارات وطرح تعديل على توزيع بعض الحقائب مثل ‏التربية والطاقة، كما طرحت أسماء ولكن ليس بشكل نهائي. ولم يتوصل الرئيسان الى ‏تصور نهائي ولذلك سيستكملان البحث الأربعاء في ضوء مشاورات سيجريها كل منهما من ‏دون ان يعني ذلك ان لقاء الأربعاء سيشهد ولادة الحكومة وانما ثمة افق لتقدم في هذا ‏الاتجاه‎ .‎
‎ ‎
وتزامن هذا اللقاء مع صدور مواقف فرنسية ومصرية متطابقة من الوضع في لبنان ‏خصوصا لجهة استعجال تشكيل حكومة جديدة. وفي مؤتمر صحافي مشترك امس مع ‏الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاليزيه اكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ‏ماكرون ان “لبنان يعاني اليوم من عدم تنفيذ المسار السياسي المطلوب” وقال “يجب الا ‏يبقى الشعب اللبناني رهينة بيد أي طبقة سياسية”. اما السيسي فدعا كل القوى السياسية ‏اللبنانية الى تشكيل حكومة تواجه مشاكل البلاد وقال “نحن لن نتخلى عن لبنان‎”.‎
‎ ‎
وبدا لافتا في هذا السياق ان المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري وزع ‏معلومات عقب لقاء بري مع وفد من ممثلين للأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد ‏الأوروبي مفادها ان “المجتمع الدولي بأسره هو مع لبنان وان لا احد في العالم يمكنه ان ‏يصدق التأخير الحاصل في ملف تأليف الحكومة ولو ليوم واحد. فتأليف الحكومة اليوم قبل ‏الغد يمثل شرطا أساسيا لمقاربة كل العناوين وخصوصا في ظل تدهور الأوضاع ‏الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية على نحو كارثي‎ “.‎
‎ ‎
والواقع ان شبح الكارثة الاجتماعية بدأ يتخذ بعدا ملموسا ووشيكا مع بدء العد العكسي ‏لاجتراح حلول “ترشيدية” للدعم يراد لها ان تبقي الدعم ضمن اطر مدروسة ومضبوطة بدل ‏إلغائه بما ينذر باشعال احتجاجات واضطرابات اجتماعية خطيرة. وبرزت امس صورة ‏مشدودة للغاية في هذا المشهد اذ عمت اعتصامات وأعمال قطع طرق عصرا ومساء في ‏العاصمة والعديد من المناطق اعتراضا على الغاء الدعم فيما شهدت السرايا الحكومية ‏استنفارا واسعا سيتواصل طوال اليوم أيضا. وقد رأس رئيس حكومة تصريف الاعمال ‏حسان دياب اجتماعا وزاريا موسعا بحضور حاكم مصرف لبنان خصص للبحث في خطط ‏الوزارات لتنظيم كلفة الاستيراد والدعم على ان تستكمل الاجتماعات اليوم في اطار ورش ‏عمل تفصيلية يرأسها كل وزير مع القطاعات المعنية في نطاق عمل وزارته. وستتواصل ‏الاجتماعات التي قد لا تصل الى بت الخطط نهائيا قبل نهاية الأسبوع‎ .‎
‎ ‎
الحاكم
ولوحظ ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة غادر الأجتماع باكرا قبل انتهاء الوزراء من تقديم ‏تصوراتهم وبدا منزعجا ورفض الإجابة على أسئلة الصحافيين‎.‎
يشار في هذا السياق الى تطور اثار تساؤلات واسعة حول أهدافه ومأربه وتمثل في ‏استدعاء النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون الحاكم رياض سلامه ‏للمثول أمامها الخميس للاستيضاح منه في ملف الهدر الحاصل في الدولار المدعوم‎.‎
‎ ‎
وفي غضون ذلك حذرت وكالتان تابعتان للأمم المتحدة من ان الغاء الدعم في لبنان من ‏دون ضمانات لحماية الفئات الأكثر ضعفا سيصل الى حد كارثة اجتماعية. وجاء في مقال ‏رأي لممثلة صندوق الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف في لبنان يوكي موكو والمديرة ‏الإقليمية لمنظمة العمل الدولية ربى جرادات “سيكون تأثير الغاء دعم الأسعار على الأسر ‏الأكثر ضعفا في البلاد هائلا ومع ذلك لا يوجد شيء تقريبا للمساعدة في تخفيف ذلك .. ‏ومن الأهمية بمكان ان ندرك ان اجتياز لبنان لمنحدر آخر الآن من دون وضع نظام شامل ‏للضمانات الاجتماعية أولا سيلحق كارثة اجتماعية بمن هم اكثر ضعفًا‎”‎

النهار

اترك تعليقًا