أعاد الحديث عن مبادرة أوروبية بدعم ألماني الروح إلى المبادرة الفرنسية التي تنازع ولا يوجد سبيل لتطبيقها في الوقت الحالي بسبب المواقف الداخلية المتصلبة والأجواء الإقليمية والدولية غير المؤاتية لأي تسوية.
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبّاقاً إلى زيارة لبنان بعد انفجار 4 آب وجمع القادة السياسيين في قصر الصنوبر ومن ضمنهم ‘حزب الله’ المغضوب عليه أميركياً وخليجياً، وقد نسّق ماكرون خطواته مع الأميركيين وأخذ الدعم الأوروبي، لكن الخيانة التي تعرّض لها في الداخل كما صرّح والمشاكل التي حلّت على فرنسا ساهمت في تطيير مبادرته وتدهور الوضع اللبناني بشكل أسرع.
لكن ماكرون ومعه الأوروبيون لا يريدون للوضع اللبناني أن ينهار بشكل أكبر، فالفرنسي يتعامل مع الملف اللبناني على الطريقة اللبنانية، بينما الألمان بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل لا ينفع معها اللف والدوران والتحايل، لذلك قرر الألمان أن يأخذوا على عاتقهم تطوير المبادرة الفرنسية. وتكشف معلومات أن ميركل كانت أول من صدم من الواقع اللبناني والفساد المستشري وذلك خلال زيارتها الشهيرة للبنان في حزيران من العام 2019، وقتها طرحت مساعدة لبنان في ملف الكهرباء الذي يستنزف الخزينة لكنها فوجئت باللامبالاة اللبنانية بسبب عدم قدرة الطبقة الحاكمة على الإستفادة من المساعدة الألمانية، لكن بعد انفجار مرفأ بيروت، رأت ألمانيا في المبادرة الفرنسية فرصة للإنقاذ. وفي السياق، فقد نصح الألمان مراراً وتكراراً الرئيس ماكرون بعدم التهاون مع الطبقة السياسية اللبنانية وعدم الثقة بها لأنها طبقة فاسدة أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، لكن ماكرون الذي أخذ دعم ألمانيا والإتحاد الاوروبي قرّر العمل بما تقتضيه السياسة اللبنانية ففشل، فعاد الألمان إلى تلقف القيادة. وتشدّد مصادر ديبلوماسية على أن لا تنافس بين ميركل وماكرون في لبنان لأن السياسة الألمانية تركّز على الإقتصاد ولا توجد أي أطماع توسعية، لذلك فان برلين تحركت لأن الإتحاد الاوروبي يعتبر نفسه مسؤولاً عن دول حوض البحر المتوسط، لذلك لا يمكن أن يتركوا دولة مثل لبنان تنهار، كذلك، فان أزمة النزوح السوري لا تزال بعيدة الحل وأي إنفجار سيطال بشظاياه دول أوروبا، لذلك فان الإنفجار الامني والديموغرافي ممنوع في لبنان.
ويُعتبر فشل المبادرة الفرنسية ليس فشلاً لماكرون وحده بل لكل أوروبا، لذلك قررت ميركل التحرّك وفق خطة واضحة وبرنامج محدد ينطلق من الإقتصاد أولاً حسب المصادر الديبلوماسية، والتي ترى أن دخول برلين على خط الأزمة يعني أن لا لعب إذا ما قررت السلطة الحاكمة في لبنان الأخذ بالمبادرة الأوروبية الجديدة والإنطلاق نحو إصلاحات جديّة تبدأ في قطاع الطاقة الذي يُشكّل منطلقاً للتحرك الألماني ويصل إلى قطاعات الإتصالات ومشاريع البنى التحتية وكل ما يطال مزاريب الهدر والفساد. لا يريد الإتحاد الأوروبي التخلي عن لبنان وعن موقعه الإستراتيجي وتركه لقمة سائغة في يد إيران أو روسيا او أي دولة إقليمية، لذلك قد يعود بكل ثقله إلى تنفيذ المبادرة التي يطرحها والتي يروّج الالمان أنهم نسقوها مع الاميركيين، وتستهدف في مكان ما نفوذ إيران في المنطقة وتحدّ من التدخلات السلبية لذلك النفوذ، كما أنها تطيح بأحلام الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان التوسّع في دول محيط البحر المتوسط، فما حصل في ليبيا يرفض الالمان والفرنسيون وكل أوروبا تكراره في لبنان، مع علمهم ان هذا البلد يقع تحت دائرة النفوذ الأميركي ولا تستطيع أي قوة التصرف به على راحتها، وبالتالي هل يكون الحلّ باطلاق معادلة ‘م- م’، أي ماكرون وميركل وبمباركة أميركية؟