الخبر بالصوت

“ابيضّت” واهتزت وغرقت. مثلث “طبيعيّ” طبع المشهد اللبناني أمس، وبدا بمثابة مرآة لواقع الحال في بلاد لم تعُد تعرف “أبيضها” القليل من أسْودها الكثير في زمن تهتزّ الأرض تحت أقدامها مع الانهيار المالي المتدحْرج الذي يشي بـ”طوفان” قريب ما لم تحصل معجزة توقف السيناريو المرْعب الزاحف.

وفيما كانت بيروت ترتدي الأبيض بعدما افترش مساحات واسعةً منها بساطٌ من البرد الكثيف الذي تساقط بغزارة مع أمطار غزيرة لم تتأخّر بتحويل طريق رئيسية وفرعية بحيرات، وعلى وقع هزة أرضية بقوة 5.3 على مقياس ريختر شعر بها سكان محافظات لبنانية عدة، بدا “مرصد الزلازل” المالية – السياسية يسجّل ارتفاعاً في مؤشرات الارتجاجات المربوطة بالصفائح الساخنة التي تتحرّك بقوة في المنطقة، وسط خشية من ارتدادات أمنية تعلو التحذيرات منها، سواء كانت في سياق تهويلي أو تعبيراً عن معطيات حقيقية ستعني بهذه الحال اكتمال “الحلقة الجهنمية” التي دخلتْها البلاد.

ولم يكن عابراً أن تتسارع التطوراتُ ذات الصلة بملفات تتشابك حكْماً مع أزمة تأليف الحكومة الجديدة العالقة ظاهرياً بين اتهام فريق رئيس الجمهورية ميشال عون للرئيس المكلف سعد الحريري بأنه يخضع لضغوط أميركية لمنْع أي مشاركة لحزب الله بأي طريقة في الحكومة، وبين اعتبار فريق الحريري أن الأول يسعى للاستحصال على الثلث المعطل لتعويم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وحجْز موقع متقدّم له في حكومة قد تصبح “رئاسية” (بعد أقل من سنتين حين تنتهي ولاية عون)، في حين أنه لا يمكن عزْل الخفايا الكاملة لتعليق استيلاد الحكومة عن التوترات الكبرى في المنطقة التي تبدو وكأنها في فوهة بركان يغلي على مشارف انتقال السلطة في الولايات المتحدة وما يسبقها من “نقْلات” مفصلية على رقعة شطرنج المواجهة بين إدارة دونالد ترمب وإيران.

وإذ مرّت من دون ضجيج في بيروت “الرسالة” التي وجّهها حزب الله بنشْر قناة “المنار” التابعة له مقاطع فيديو لقواعد عسكرية إسرائيلية قرب الحدود الجنوبية ذكرت المحطة أنها “التقطت بواسطة طائرة مسيّرة تابعة لحزب الله دخلتْ أجواء الاحتلال وعادت إلى قواعدها سالمة من دون أن يُسقطها جيش العدو”، استوقف أوساطاً سياسية تطوّران بارزان: الأول تأكيد السفارة البريطانية أن السفير كريس رامبلنغ سيغادر لبنان هذا الشهر بسبب ظروف عائلية “وسيتم الإعلان عن خلف له في وقت لاحق”، كاشفةً عن “أن بعض أفراد الأسرة المرافقين للموظفين في السفارة يغادرون بسبب الظروف الصعبة منذ أشهر عدة”، وموضحة “أن هذا لا يغير التزام المملكة المتحدة بدعم أمن لبنان واستقراره”.

ورغم ربْط السفارة مغادرة رامبلينغ بظروف عائلية، فإن القراءة بين سطور بيانها الذي جاء رداً على تقارير صحافية تحدّثت عن قرار من لندن بسحب عائلات دبلوماسييها من لبنان والمنطقة على وقع الضجيج القائم بين طهران وواشنطن وتل أبيب، تعزّز صدقية المعلومات عن إجلاء عائلات الدبلوماسيين البريطانيين وأن السفير في بيروت فضّل مغادرة العاصمة اللبنانية على الانفصال عن عائلته.

تقارير متزايدة عن مخاطر عالية ومخاوف من أعمال أمنية واغتيالات على يد “خلايا إرهابية”، وتعزّزت بعدما جرى تداوُلها في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع يوم الخميس، على وقع معلومات عن إبلاغ شخصيات محدّدة أنها في دائرة الخطر، وفي ظلّ تعاطي البعض مع هذا المناخ على أنه قد يكون مؤشراً لمنزلق جديد يتجه إليه لبنان، سواء صحّتْ هذه المعلومات وتُرجمت أو كانت كما لمّح البعض في سياق تهويلي مربوط بالكباش الدائر حول الملف الحكومي والذي تتنوّع “أسلحته” وكان آخرُها ما اعتُبر “ابتزازاً” أو استفزازاً للحريري عبر تحويل “الأعلى للدفاع” ما يشبه “مجلساً رئاسياً” بديلاً عن حكومة تصريف الأعمال (رغم الدعوة لتوسيع نطاق تصريفها للأعمال) كما عن الحكومة الجديدة ما لم تكن بشروط الائتلاف الحاكم.

الأبعاد فوق العادية التي بات يكتسبها دولياً وصول التحقيق في الانفجار الهيروشيمي الذي وقع في مرفأ بيروت (في 4 آب الماضي) إلى نتائج عملية واعتبار ذلك إلى جانب قيام حكومة مهمة إصلاحية وفق خريطة طريق المبادرة الفرنسية شرطاً لحصول لبنان على أي دعم مباشر يتيح له الخروج من الحفرة المالية العميقة التي يُرتقب أن تتطاير تشظياتها الاجتماعية ابتداءً من يوم غد مع تبلور خطة السلطة لترشيد دعم السلع الاستراتيجية.

وفي هذا الإطار، برز كلام المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش عن أن “المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني (عقدته فرنسا الأربعاء) ذكّر مرة أخرى قادة لبنان بضرورة التنفيذ الفعال للإصلاحات”، مضيفاً عبر “تويتر”، “بعد أربعة أشهر، عبّر المشاركون في المؤتمر عن قلقهم بشأن التأخير في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت. لا إجراءات – لا دعم”.

“الراي”

اترك تعليقًا