لم يكن الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع اللبناني سوى انقلاب جديد على ما تبقى من مقومات الدولة أو مرتكزاتها. لقد أُريد لهذا المجلس أن يحلّ محل مجلس الوزراء.
حكومة عون الخاصةهذه ليست المرّة الاولى التي يلجأ فيها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى مثل هذا الخيار. حتى عندما كانت الحكومة أصيلة، وليست في حال تصريف أعمال، كان يعمد إلى عقد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، والذي يترأسه هو، ويتخذه مظلة لفرض مسار معين على الحكومات.
وفي موازاة استحضاره هذا المجلس، كان عون يعمل سابقاً على جعل قصر بعبدا مقراً لاجتماعات لجان وزارية أو نيابية أو اقتصادية لموظفين وإداريين، في محاولته تأسيس لجان أو مجالس أو عقد اجتماعات موازية لاجتماعات الحكومة.
فمنذ أيام حكومة الحريري، إلى حكومة حسان دياب، وصولاً إلى المرحلة الحالية، يندرج هذا السلوك العوني في خانة القفز فوق الدستور وتعطيل المؤسسات، وحصرها بعدد من اللجان. في الأمور الاقتصادية مثلاً، يدعو عون وزير الاقتصاد ومدراء عامين إلى جانب مستشاريه، فيعقد اجتماعات تبحث في الوضع الاقتصادي. وفي مواجهة استحقاق مالي ما، لطالما دعى عون وزير المال، حاكم مصرف لبنان، وجمعية المصارف، وعمد إلى استعراض الوضع واتخاذ قرارات تحوّل في ما بعد إلى جلسة مجلس الوزراء. وهذا الانقلاب العوني على الطائف وعلى مجلس الوزراء، يُستكمل اليوم بحجة الانهيار ومواجهته، وبأن الحكومة في حالة تصريف أعمال.
بعبدا مركز القراروهكذا يتكرس اليوم المجلس الأعلى للدفاع كياناً موازياً للحكومة: يرفع لها القرارات فتلتزم بها. وقد تطور عمله ليصبح موجهاً وزير الأشغال لفتح الأقنية والمجاري. طبعاً خلف هذه الخطوة هدفان سياسيان: التأكيد على مركزية القرار في بعبدا وليس في الحكومة، وتهشيم دور الوزير في وزارته، علماً أن من أقل واجباته هو العمل مسبقاً على ما قد يطلبه المجلس منه لاحقاً. والهدف الثاني هو الإشارة إلى أن القرار يمتلكه المجلس الأعلى للدفاع الذي يحلّ مكان الحكومة.
وهذا أحد أبرز الدلائل على استمرار الانهيار وتحلل المؤسسات، في ظل استمرار الخلاف على الحصص الوزارية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
الأمن ذريعة
ولأن المجلس الأعلى للدفاع يحتاج إلى ظروف أمنية واستثنائية للانعقاد، لا بد من استحضار العامل الأمني لتغليف جلساته وتبرير انعقاده.
والعامل الأمني – الذريعة استحضر ما تداول به رؤساء الأجهزة الأمنية: رصد معلومات، تفكيكها وتحليلها، حول احتمال تعرض لبنان لعمليات إرهابية في المرحلة المقبلة. وهذا تزامن مع تسريبات كثيرة حول توقيف عدد من الخلايا الإرهابية، التي كانت تحضر لعمليات أمنية في مناطق مختلفة، ومنها استحضار الحديث عن عمليات اغتيال.
استباقاً لرفع الدعم
وهذا في سياق تبرير عقد الاجتماع، يحضر أيضاً تخويف اللبنانيين من الوضع الأمني. واستعمال العهد والسلطة مثل هذه الذرائع يعني فقدانهما القدرة على الاستمرار، إلا بالتلاعب بمشاعر الناس. وخصوصاً عندما تقترب لحظة رفع الدعم، والتي قد تشهد انفجاراً إجتماعياً هائلاً، لن يكون بمقدور أي طرف وقفه أو مواجهته أو الحدّ منه.
لذلك لا بد من العامل الأمني لتخويف اللبنانيين وترهيبهم، وجعلهم يتقبلون الجوع والذل مقابل حماية أنفسهم من تطورات أمنية.
لن يؤدي ما يجري إلى تغيير الوقائع القائمة على الأرض. لا بل يؤشر أكثر إلى المأزق السياسي الذي يعيشه العهد وتعيشه الطبقة السياسية كلها، وسط قناعة محلية وخارجية بأن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الانهيارات، وأن السنتين المتبقيتين للعهد ستكونان حافلتين بالكثير من الانهيارات.