اكد “المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني” الذي عقد امس ونظمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالتنسيق والتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بتقنية الفيديو، العزم الفرنسي والدولي على الاستمرار في تقديم المساعدات للبنان وتقييم ما قدم خلال مؤتمر الدعم الذي عقد في 9 اب الماضي، وكذلك تقديم توصيات جديدة للسلطات اللبنانية للاسراع في تشكيل الحكومة وتنفيذ الاصلاحات.
واشارت مصادر رئاسية فرنسية الى ان المساعدات التي قدمت خلال شهر اب تخطت التوقعات وكانت 253 مليون يورو وهو مبلغ يعبر عن قوة دفع بالنسبة الى الوضع الذي يعيشه العالم جراء وباء كورونا. وأوضحت ان المجتمعين بحثوا سبل توزيع هذه المساعدات بعد ان لوحظ عدد من الشوائب في تسليمها رغم اعتبار ان التوزيع تم بشفافية بشكل عام.
وافتتح الرئيس ماكرون المؤتمر الذي شارك فيه 12 رئيس دولة ورئيس وزراء و10 منظمات دولية والمجتمع المدني اللبناني ومن الدول المشاركة فرنسا والولايات المتحدة وايطاليا وبريطانيا ومصر والكويت والعراق وقطر والامارات العربية المتحدة واوستراليا والبرازيل. وجرى تقييم المساعدات الانسانية التي قدمت الى لبنان والحاجات الجديدة وفقا للوضع الانساني القائم والذي يتدهور. وتم بحث المستلزمات الصحية والتربوية والسكنية والغذائية وكيفية الاستجابة لهذه المطالب، ووضع اليات جديدة مع الامم المتحدة لتوزيع هذه المساعدات.
والعمل جار بين الاطراف والامم المتحدة على العمل في الاجل القصير والمتوسط لان الوضع المالي ما زال يتدهور وهذا يعني ان لبنان سيواجه المزيد من المشاكل مما يجعل التدقيق المالي في مصرف لبنان اكثر حتمية. ويتابع المشاركون الوضع في لبنان من قرب ولا يريد احد منهم ان يغرق لبنان في ازماته لان ذلك قد يشكل خطرا امنيا ايضا.
كما تم البحث في الادوات التي يحتاج اليها المجتمع الدولي والعمل عليها من اجل الاستجابة لكل هذه التحديات. وياتي ذلك بعد اجتماعات تحضيرية أشرفت عليها فرنسا والامم المتحدة.
وشدد المجتمعون على تنفيذ خريطة طريق المبادرة الفرنسية التي وافق عليها السياسيون اللبنانيون خلال اجتماعهم بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر في بيروت. ولفتوا الى ان الاطراف اللبنانية لم تتجاوب مع اي بند من هذه المبادرة حتى الان. كذلك لم يتم تنفيذ اي شيئ في ما يتعلق بمراجعة حسابات مصرف لبنان. ونبه المشاركون من عدم تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ خريطة الطريق. وبدا توافق تام حول اهمية تاليف حكومة تقوم بوضع ورقة الطريق الفرنسية قيد التنفيذ لان التعاون اليوم هو فقط بين الامم المتحدة ومنظمات غير حكومية بالاضافة الى التعاون مع الجيش اللبناني والصليب الاحمر الدولي من اجل ايصال المساعدات الى جميع اللبنانيين .
اما بالنسبة الى العقوبات الاميركية على الطبقة السياسية، تقول المصادر الرئاسية الفرنسية ان العقوبات الاميركية على الطبقة السياسية اللبنانية لم تحدث اي تاثير حتى الان ولم تساعد او لم تعطل تشكيل الحكومة. واعتبرت ان الاهمية بالنسبة لجميع المشاركين ومنهم الولايات المتحدة هي وضع خارطة الطريق موضع التنفيذ. كما تم بحث كيفية مساعدة المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي تعاني ازمة وجودية .
وتعتبر المصادر انه امام استحالة تنفيذ خريطة الطريق، لا يمكن تجييش المجتمع الدولي لمساعدة لبنان لاعادة تاهيل بنيته وانه لا يمكن سوى الاستجابة الى المطالب الانسانية الملحة. وتعتبر انه يجب الاستمرار في الضغط على الطبقة السياسية ولا يمكن التعاون سوى مع الواقع، فتقديم المال يحتاج الى ثقة وهذه الثقة مفقودة .
وتشير المصادر الى انها لا ترى اية علاقة بين تشكيل حكومة والانتخابات الاميركية اوالعلاقة بين ايران واميركا ولكن الطبقة السياسية اللبنانية تجد الذرائع تهربا من مسؤوليتها.واكدت ان الرئيس ماكرون يرفض ان يذهب لبنان الى الانهيار والزوال .
ويامل المجتمعون ان يكون الاجتماع المقبل بعد تشكيل حكومة وتنفيذ الاصلاحات.
ماكرون
وفي الكلمة التي القاها في افتتاح المؤتمر اكد الرئيس ماكرون استمرار فرنسا في دعم الشعب اللبناني لافتا الى ان عشرين من المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر وان هذا الدعم لا يمكن ان يأتي بديلا من دعم السلطات اللبنانية ولا يمكنه ان يستبدل ضرورة تشكيل حكومة وان المساعدات الدولية للبنان مرتبطة بتشكيل حكومة إصلاحات .وشدد على اننا لن نتخلى عن ضرورة القيام بالإصلاحات وعن التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت .وشدد على انه لن يتخلى عن وعوده للشعب اللبناني وانه سيزور لبنان قريبا في كانون الأول الحالي مرة جديدة .واعلن ماكرون انه من المقرر تأسيس صندوق دولي يديره البنك الدولي للمساعدة في تقديم المساعدات الإنسانية للبنان.
والقى رئيس الجمهورية ميشال عون كلمة عبر الفيديو شكر فيها الرئيس ماكرون على الدعم القوي والمستمر الذي يقدمه للبنان “وعلى رغم العوائق التي تواجهها المبادرة الفرنسية لا بد لها من النجاح لان الازمات التي يمر بها البلد قد وصلت الى اقصى حد”. وتحدث عن رسالته الى مجلس النواب في شأن التدقيق المالي الجنائي الذي سيفتح الطريق امام الإصلاحات الضرورية واكد ان “أولويتنا اليوم هي تشكيل حكومة من خلال اعتماد معايير واحدة تطبق على جميع القوى السياسية والمهمات التي تنتظرها ضخمة فالمطلوب من الحكومة العتيدة ان تطلق في الوقت عينه ورشة الإصلاحات البنيوية الملحة وإعادة اعمار بيروت وتطوير خطة التعافي المالي والاقتصادي ووضع اطر لتنفيذها”. وخاطب المجتمعين مؤكدا ان “مساعداتكم أساسية مهما كانت طرقها او آلياتها وايا كانت القنوات التي ستعتمدونها طالما هي بإشرافكم وإشراف الأمم المتحدة . وها انا اليوم من على هذا المنبر اطلب من المجتمع الدولي بأسره الا يتخلى عن بلد الأرز وما يمثله من ثروة للبشرية جمعاء”.
وقبل إلقاء عون كلمته استمع المشاركون في المؤتمر الى كلمات لعدد من الشباب اللبنانيين المنتمين الى منظمات وجمعيات أهلية وغير حكومية عبروا عن مشاعرهم ومعاناتهم جراء انفجار مرفأ بيروت .
وبدوره شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على أهمية تلبية حاجات اللبنانيين ولا سيما منهم الأكثر حاجة الى المساعدة كما شدد على إعادة اعمار بيروت بمساندة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما من الدول والمنظمات الدولية . وفي سياق المداخلات التي ألقيت جدد رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس الدعوة الى السلطات اللبنانية لوضع شبكة امان اجتماعي والانخراط في إصلاحات ضرورية وشاملة ومن بينها في القطاع المالي . وقال ان “البنك الدولي مستعد لمساعدة اللبنانيين والمؤسسات في لبنان بالمساهمة مع مؤسسات ودول أخرى كما نلتزم مساعدة لبنان على تنفيذ خريطة الطريق لاعادة اعمار مرفأ بيروت بشكل افضل”.
وانتهى المؤتمر الى اصدار مجموعة توصيات من ابرزها تقييم المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي الى الشعب اللبناني وطرق توزيعها منذ مؤتمر 9 آب الماضي ، وتقييم الحاجات الإنسانية والصحية الجديدة والعمل على تلبيتها اذ ان تدهور الوضع المالي والصحي يعني مواجهة لبنان المزيد من المشاكل، والتشديد على ان هذه المساعدات الإنسانية موجهة الى الشعب اللبناني، والدعوة الى تشكيل حكومة جديدة تنفذ خارطة الطريق الفرنسية والقيام بالإصلاحات الضرورية.
وجاء في ترجمة البيان الختامي :
” أكد المؤتمر أن الالتزامات التي تم التعهد بها في ما يتعلق بالمساعدات الطارئة منذ 4 آب قد تم الوفاء بها، من حيث النوعية والكمية ، في جميع المجالات ذات الأولوية التي حددتها الأمم المتحدة آنذاك ، بما في ذلك الصحة والتعليم وإعادة التأهيل الحضري والغذاء. وفي حين تم التعهد بتقديم 257 مليون يورو، تم دفع أكثر من 280 مليون يورو بالفعل. وأعاد المشاركون التأكيد على التزامهم بالتوزيع الشفاف والفعال للمساعدات الدولية بما يعود بالنفع على الشعب وحده. وأثني على دور الأمم المتحدة في هذا الصدد.
بالإضافة إلى المساعدات الطارئة، عمل المؤتمر على حشد دعم إضافي من حيث الإنعاش المبكر من أجل المنفعة المباشرة للفئات السكانية الأكثر ضعفاً ، ولا سيما من أجل الاستجابة لتحديات الأمن الغذائي والحصول على التعليم ….
وأعرب المشاركون عن قلقهم بشأن التأخير في التحقيق في انفجارات 4 آب. كما ناقش المؤتمر إعادة إعمار مرافق الميناء ودمجها في المدينة وإعادة تأهيل الأحياء المتضررة من الانفجار. وشدد المشاركون على أن إعادة إعمار الميناء يجب أن تستند إلى المبادئ التالية: إعادة البناء بشكل أفضل ، والإدارة الأفضل، واتخاذ القرار بشفافية. شعر المشاركون أن إعادة إعمار الأحياء المتضررة يجب أن تتم بطريقة شاملة، بالتشاور مع السكان.
أعرب المؤتمر عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأعرب عن قلقه من الأزمة الإنسانية الناشئة. وأشار المشاركون إلى تدهور جميع المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية ، حيث ارتفع معدل الفقر من 28? إلى 55? خلال فترة 12 شهرًا ، مما دفع الآن العديد من اللبنانيين إلى الهجرة. واتفق المؤتمر مع البنك الدولي على أن هذا “كساد متعمد”. لبنان في حالة إفلاس مالي ، لكن لا يزال بإمكانه أن يكون دولة ناجحة إذا تم تنفيذ الإصلاحات بسرعة. كما مكّن المؤتمر من البدء في التفكير في الإصلاح الضروري للنموذج الاقتصادي اللبناني.
وأشار المشاركون بقوة إلى أهمية التنفيذ الفعال للإصلاحات التي يتوقعها السكان والمجتمع الدولي. هذه الإصلاحات ضرورية للغاية لتمكين الأخير من الانخراط جنبًا إلى جنب مع لبنان ، سواء من حيث النتائج التي توصل إليها مؤتمر سيدر في 6 نيسان 2018 ، وآفاق الدعم الهيكلي الإضافي على المدى الطويل. يجب أن يكون هذا الدعم جزءًا من برنامج يُبرم مع صندوق النقد الدولي.
وجدد المؤتمر التأكيد على الحاجة الماسة إلى اتفاق القادة السياسيين اللبنانيين بأسرع ما يمكن على تشكيل حكومة ذات مصداقية وفعالة وقادرة على العمل من أجل المصلحة العامة للبلاد. على أساس خارطة الطريق في 1 أيلول 2020 ، التي صادقت عليها جميع القوى السياسية اللبنانية ، سيكون على هذه الحكومة أن تنفذ بشكل عاجل جميع الإصلاحات والتدابير اللازمة لاستعادة ثقة اللبنانيين من المجتمع الدولي.
النهار