دخل مجلس النواب على خطّ معالجة ملفّ الدعم والإحتياطي الإلزامي، حيث من المقرّر أن تجتمع اللجان النيابية المشتركة اليوم بناء على دعوة رئيس المجلس نبيه بري، وسط أسئلة كثيرة عن الخطوات والإجراءات التي يمكن أن يقوم بها المجلس في هذا المجال.
دعوة بري للجان ربّما تأتي شبيهة بدعوته الى جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية والقرار الذي صدر بالإجماع عنها حول شمولية التدقيق الجنائي، إذ سيكون على الكتل النيابية تحديد موقفها من هذا الملفّ الحسّاس، وهي ستكون أمام خيارات أو سيناريوات صعبة وسيّئة، وسيتمّ التفتيش من بينها على الأقلّ سوءاً، وربّما يكون المخرج بترشيد الدعم من أجل تأخير المشكلة بانتظار الفرج.
ويتّفق غالبية النواب على أنّ مبادرة المجلس النيابي ووضع يده على هذا الملفّ الحسّاس، خطوة جيدة جداً بالرغم من أنّ المجلس لا يمكن أن يحلّ محلّ السلطة التنفيذية في اتخاذ القرار وهو يرفع توصيات ويُقرّ قوانين.
وتؤكّد مصادر مختلف الكتل لـ”نداء الوطن” أنّ المطلوب ترشيد الدعم وقبله وبعده إيجاد الحلّ السياسي والجذري عبر تشكيل حكومة فاعلة والتفاهم مع صندوق النقد الدولي والبدء في برنامج الإصلاحات الذي قد يحمي هذا الإحتياطي.
ويرى عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة “أننا أمام سيناريوات سيئة وصعبة وأحلاها مرّ، وأن ّهناك الكثير الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة حول ملفّ الدعم، وأن مبادرة المجلس النيابي هي لتقييم برنامج الدعم والإطلاع على حقيقة ما تبقّى من أرقام لدى البنك المركزي والخيارات المتاحة أمام البلد وكيف يُمكن أن نصمد وخصوصاً في موضوع الدواء والصناديق الضامنة “.
وقال لـ”نداء الوطن”: “إنّ رفع الدعم الكلّي قد يؤدّي إلى انفجار إجتماعي، وإذا بقي كما هو فلن يتمكّن البلد من الصمود لفترة طويلة في ظلّ الحديث عن مبلغ نحو 700 مليون دولار شهرياً ، فالمطلوب أولاً معرفة حقيقة الأرقام بالنسبة للإحتياطي الإلزامي الذي هو حقيقة إحتياطات أموال المودعين، ومن ثم الذهاب نحو ترشيد الدعم ووضع آليات لإيصاله للفقراء، إذ لا يجب أن يطال مثلاً أكثر من 10-12 سلعة غذائية كحدّ أقصى، والبحث عن حلول لملفّ إستيراد الفيول من دولة إلى دولة، ودراسة موضوع البنزين من خلال حساب بنكي للفئات التي يجب أن تستفيد من الدعم، علماً أنّ كل ما يجري البحث فيه الآن هو من أجل تأخير المشكلة وتطويل أمدها بانتظار الفرج”.
أما عضو كتلة “المستقبل” النائب الدكتور محمد الحجار فكشف لـ”نداء الوطن”: “أنّ ما يجري الحديث عنه من مبلغ الـ17 أو أكثر مليار دولار هو ليس إحتياطياً إلزامياً كما يُروّج، وإنما توظيفات إلزامية طلبها مصرف لبنان من المصارف بموجب تعاميم صادرة عنه وهي تأخذ عليها فائدة لأنّها بالدولار ولأن القسم الأكبر من عملتنا وإقتصادنا مدولر، بينما الإحتياطي هو بالعملة الوطنية وِفقاً لقانون النقد والتسليف، وهذه التوظيفات ليست ملكاً لمصرف لبنان أو المصارف وإنما هي ملك الناس أصحاب الودائع”.
ولفت الحجّار إلى أنّ “وقف الدعم كلّياً يُشكّل كارثة بينما المطلوب البحث عن حلّ يوائم بين الحفاظ على حقوق الناس وودائعها وبين الإبقاء على الدعم المدروس، وهنا المطلوب ترشيد الدعم وتخفيض السلة الغذائية وضبط معابر التهريب، لأننا كنواب ومجلس نيابي نرفع توصية ونُقرّ قوانين بينما المطلوب إتّخاذ القرار السياسي من ذوي الشأن لضبط التهريب، وأولاً وأخيراً الإسراع بتشكيل حكومة للإتفاق مع صندوق النقد الدولي على خطة مرشدة”.
من جهته، قال عضو “اللقاء الديموقراطي” والحزب الإشتراكي النائب الدكتور بلال عبد الله لـ”نداء الوطن”: “هناك أمور لا تحتاج إلى قوانين إنّما إلى قرارات تنفيذية، وأعتقد أنّ الرئيس بري من خــلال دعوته للجـــان، أراد الإضاءة على هذا الملف الحياتي الأساسي لأنه يعلم أننا بدأنا استنزاف ما تبقّى من عملة صعبة في إحتياطي مصرف لبنان”.
وذكّرعبد الله بأنّ “مجلس النواب يمكنه أن يُوصي أو يُقر قوانين ونحن كحزب تقدمي إشتراكي تقدّمنا بمشروع متكامل حول هذا الملفّ، وأنا تقدّمت بثلاثة إقتراحات قوانين معجّلة مكرّرة تتعلّق بملفّ الأدوية وإذا أخذ بها يمكن أن توفر بحدود 500 مليون دولار سنوياً من أصل مبلغ مليار و600 مليون يتم دفعه الآن، وهذه الإقتراحات لا تمسّ الأدوية المزمنة والحياتية وتُشجّع الصناعة الوطنية وتحميها وتُحفّز الشركات العالمية على التصنيع في لبنان، إضافة إلى تشجيع اللبنانيين على استخدام الأدوية الجينيسية (generic) لأنها تعطي نفس الفعالية وهي أرخص”.
ويقول عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب الدكتور فادي سعد لـ”نداء الوطن”: “نمرّ اليوم بمرحلة وظروف إستثنائية، ويقوم المجلس النيابي بعمل إستثنائي كما حصل في جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي، وهو ربّما ما سيحصل في جلسة اللجان اليوم، حيث نتوقعّ صدور توصية أو إقتراح قانون، ونحن نعتبر أنّ الدولة مسروقة ومهدورة حقوقها وهناك سوء إدارة وصل إلى حدّ المسّ بأموال الناس من قبل الدولة التي تتخلّف عملياً عن القيام بمسؤولياتها من خلال مصادرة أموال المودعين بطريقة غير شرعية وبدأت تصرف ممّا تبقى من ودائعهم”.
ويُضيف: “أكثر من نصف الدعم لا يذهب إلى هدفه أي إلى المواطن المحتاج، ولماذا دعم نحو 300 سلعة غذائية منها الكافيار والكاجو وغيرهما بينما المطلوب ألا يتجاوز دعم السلع الـ20 سلعة على أن يستتبع ذلك توزيع بطاقات على الفئات الأكثر حاجة، فلماذا أنا كنائب مثلاً أستفيد من دعم البنزين والمازوت وبعض المواد الأخرى؟”.
وقال: “هناك محاولة لارتكاب جريمة جديدة بينما الحل هو في وجود الدولة ورجال الدولة وليس عصابة كما هي الحال بل يا ليتها عصابة كروبن هود، إنما سرقة موصوفة”.
تبقى الإشارة أخيراً إلى أهمية أن تصل نتائج مناقشات اليوم الى الحلول الممكنة، وليس تسجيل المواقف بين القوى السياسية وتقاذف الكرة والمسؤوليات، سيّما وأنّ البنك الدولي نبّه أمس إلى أنّ الأزمة الإقتصادية الحادّة في لبنان جعلت الإقتصاد عرضة لكساد شاق، وصفه بالمتعمّد مع إخفاق السلطات في احتواء الإنهيار.