على وقع التأزم المستمر في عملية تشكيل الحكومة والكباش المحتدم بين لبنان واسرائيل في ملف ترسيم الحدود ما أدى الى ارجاء الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، ينعقد اليوم «المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني» بواسطة تقنية الفيديو، بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سيرأس الاجتماع مع الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس.
ويهدف المؤتمر بشكل اساسي الى تقويم نتائج الاجتماع الاول الذي عقد في 9 آب الماضي لمواجهة تداعيات انفجار 4 آب، بحيث من المقرر ان يشارك فيه رؤساء ورؤساء حكومات نحو 35 دولة لتقديم مساعدات انسانية للبنان.
وتؤكد معلومات «الديار» الواردة من العاصمة الفرنسية ان اي مساعدات مالية مباشرة للحكومة اللبنانية للنهوض بالوضعين المالي والاقتصادي لن تصل قبل تشكيل الحكومة الجديدة واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. مع التشديد على ان اي مساعدات سيقدمها المؤتمر ستنحصر بالشق الاغاثي والانساني.
وعشية انعقاد مؤتمر باريس، اجتمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان السفير رالف طراف، ونائبة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان السيدة نجاة رشدي، والمدير الاقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي السيد ساروج كومار جها، الذين اطلعوه على «اطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار للبنان»، الذي اعدته الجهات الثلاث والتي قدرت تكلفته بمليارين و500 مليون دولار. وبحسب رئاسة الجمهورية، سيلقي الرئيس عون كلمة في المؤتمر، يتناول فيها الاوضاع الاقتصادية الراهنة والصعوبات التي تواجه اللبنانيين في هذه المرحلة لاسيما بعد الانفجار في مرفأ بيروت وتداعيات جائحة «كورونا».
وبعدما كان مرتقبا ان يتوجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا مطلع الاسبوع الحالي لتقديم تشكيلة مكتملة الاسماء للرئيس عون، علمت «الديار» انه قرر تأخير هذه الخطوة الى نهاية الاسبوع لعلمه بأن «تشكيلة الأمر الواقع» لن تحظى بترحيب عوني ما سيفاقم الازمة الراهنة، لذلك ومراعاة لماكرون راعي «المؤتمر الدولي»، وكي لا تقرأ خطوته نية لافشال المؤتمر، ارتأى الحريري التروي والتأجيل من دون ان يعني ذلك التراجع. اذ تقول مصادر مطلعة على عملية التشكيل ان «اكثر من طرف داخلي وخارجي يحث الحريري على الاقدام بملف الحكومة لان استمرار الامور على ما هي عليه يعني تحمله وحيدا مسؤولية الفراغ الحاصل والتدهور المتواصل على الاصعدة كافة». وتضيف المصادر لـ«الديار»: «يمكن للحريري وبسهولة رمي كرة النار بين يدي عون ومن خلفه الوزير باسيل من خلال القول بأنهما من رفضا التشكيلة التي قدمها وبالتالي تجنب اي مسؤولية بانتظار تبلور الاوضاع اقليميا ودوليا».
وتربط المصادر التأزم الحكومي الحاصل اليوم بالتأزم على صعيد عملية ترسيم الحدود، والتي يخشى ان تعود الى سابق عهدها اي مفاوضات ثنائية لبنانية – اميركية واميركية – اسرائيلية، لافتة الى الاميركيين يمارسون ضغوطا كبيرة لعدم عودة الامور الى نقطة الصفر وسير لبنان باتفاقات مسبقة غير معلنة رفض الرئيس عون السير بها. وهو ما ألمح اليه رئيس الجمهورية يوم أمس خلال لقائه وفدا من العسكريين المتقاعدين حين تحدث عن «محاولة لبنان التنقيب عن الغاز والنفط وخضوعه في هذا المجال لضغوط دولية في اطار ما يسمى بـ«الجيوبوليتيك»، لمنعه من استثمار ثرواته الطبيعية تحت حجة ان ما وجد في البلوك رقم 4 من الغاز غير كاف تجارياً»، لافتاً الى «ضغط يمارس على لبنان في مفاوضات الترسيم، إلا اننا متمسكون بحقوقنا ونعرفها جيداً».
ولا يقتصر التأزم على ملف الحكومة وملف الترسيم، بل يطال بشكل اساسي الوضعين المالي والاقتصادي. ويرجح ان تكون جلسة اللجان التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لدرس موضوع الدعم والاحتياط الالزامي، تمهيدا لرفع الدعم عن الكثير من المواد وحصره ببعض الادوية والمحروقات والقمح. لكن بحسب المعلومات، لم يتقرر بعد من سيعلن رفع الدعم في ظل تقاذف هذه الكرة بين المصرف المركزي والحكومة والمجلس النيابي لعلم الجميع انه قرار غير شعبي وسيلقى اعتراضات شتى.
وفي هذا المجال، غرد النائب ميشال ضاهر عبر حسابه على تويتر قائلا: «علينا غدًا الابتعاد عن المواقف الشعبوية في الجلسة المخصصة لمناقشة موضوع رفع أو ترشيد الدعم». ومن منطلق اجتماعي وعلمي، اقترح الضاهر ابقاء الدعم على القمح والأدوية، ورفعه عن بعض المواد التي قد تقضي على ما تبقى من احتياط في مصرف لبنان لان الأيام القادمة صعبة ولا حلول سياسية في الأفق.
من جهته، رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ان عملية الدعم بالشكل القائم اليوم هي «خسارة بخسارة» وخصوصا لجيب المواطنين. ودعا الى معرفة عدد العائلات الاكثر حاجة واصدار بطاقات لها للتمكن من الحصول على السلع اللازمة معتبرا انه «بهذه الطريقة نكون قد أرسلنا الدعم الى من يحتاجه وقطعنا الطريق امام التجار بالتصرف بالمواد المدعومة».
ولفت يوم امس تقرير البنك الدولي الذي قال إن الاقتصاد اللبناني يعاني من كساد شاق وطويل الأمد بسبب عدم اتخاذ السلطات إجراءات سياسية فعالة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وذكر تقرير المرصد الاقتصادي اللبناني للبنك الدولي يوم الثلاثاء أن لبنان يعاني من استنفاد خطير للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث أصبحت هجرة العقول خياراً لليائسين بشكل متزايد.
كما رجح التقرير أيضاً استمرار تفاقم الفقر في البلاد، إذ من المتوقع أن يطال أكثر من نصف السكان، مع تقلص الناتج المحلي الإجمالي للفرد اللبناني وارتفاع التضخم.
الاكثر تضرراً وفقراً.