جواز خفض الإحتياطي الإلزامي الذي كان من المتوقع البحث به اليوم في اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان، والذي أرجئ الى يوم غد بانتظار نتيجة اجتماع اللجان النيابية المشتركة حول الدعم، ومفاعيل قانون الـ”كابيتال كونترول” اذا أقرّ على المصارف والمودعين، وكذلك التدقيق الجنائي… عناوين عريضة لمواضيع الساعة التي قد تحدّد مسار استهلاك الدولارات المتبقية في “المركزي” والتي تخضع الى الإستنزاف في زمن الإنهيار، تدابير تناولتها “نداء الوطن” من الزاوية القانونية مع رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي غالب غانم.
“قامت القيامة” الأسبوع الماضي على تسريب معلومة قوامها أن مصرف لبنان يعتزم خفض الإحتياطي الإلزامي بالعملات الأجنبية من نسبة 15% الى 12% أو 10%. فمهما كانت الغاية من ذلك الخفض أكانت تعود الى أصحاب المصارف أو الى الدعم الذي يجب ولا يمكن وقفه نظراً الى تداعياته الوخيمة على القدرة الشرائية والقطاعات الإقتصادية، فمن غير الجائز خفض الإحتياطي الإلزامي كونه الأمل الوحيد الذي يبقى لدى اللبنانيين كضمانة لأموالهم المحجوزة في البنوك. فالضغوط التي تمارسها الدولة على حاكم مصرف لبنان لاستخدام كل الأموال التي لديه و”زركه في الزاوية” للإبقاء على الدعم لاسكات اللبنانيين، ستلحق بالليرة اللبنانية المزيد من الخسائر وتطيح بالثقة المتبقية أو الأمل بحصول أعجوبة تنتشلنا من هذا المستنقع.
من الناحية القانونية يعتبر القاضي غانم أن “الإحتياطي الإلزامي نصّ عليه قانون النقد والتسليف الذي ألزم المصارف ان تودع لدى البنك المركزي أموالاً (احتياطي ادنى)، لغاية نسبة معينة من التزاماتها الناجمة عن الودائع والاموال المستقرضة المحدّدة”.
وأشار الى أنه “أحياناً قد يطلب مصرف لبنان من المصارف رفع الإحتياطي وذلك يدلّ على ازدهار القطاع المصرفي، والعكس صحيح اي اذا طلب خفْض نسبة الإحتياطي فذلك يكون نتيجة تدهور القطاع المصرفي. في وضعنا الراهن وطالما أن الإحتياطي الإلزامي يعتبر ضمانة لأداء عمل البنوك، فإذا ارتفع يعتبر ذلك مؤشراً جيداً لتوفّر السيولة والثقة بالقطاع ولكن أي مسّ به نزولاً يعتبر مخالفة للقانون، باعتبار أنه سيزعزع الثقة وبمثابة إنذار لمؤشّر خطير”.
ملاحقة البنوك المخلّة بالعقد
وفي ما يتعلق بالهيركات غير المباشر الذي تمارسه المصارف على ودائع اللبنانيين من خلال تقنين السحوبات، وما يقابل ذلك من دعاوى تقام عليها من المودعين لتحصيل أموالهم، يقول القاضي غانم إن “الملاحقة عادة ترتكز على وجود مسؤولية مبنية على قاعدة مخالفة القانون. فأي جهة لا تراعي القواعد القانونية، أكانت شخصاً معنوياً أو مصرفاً أو مصرف لبنان، يمكن ملاحقتها اذا ما خالفت أحكام القانون. واستناداً الى تلك القاعدة، نشهد دعاوى ضد المصارف من قبل المودعين لالزام البنوك بالتقيّد ببنود العقد الموقع بين الفريقين. ولكن لغاية اليوم لم تتخذ قرارات حاسمة على مستوى القضاء في مثل تلك الدعاوى”.
ووصف “الملاحقات التي حصلت منذ نحو عام من قبل المودعين بأنها لا تزال لغاية اليوم خجولة، والسبب هو حالة البلبة والضياع التي يعيشها المواطنون بين الهندسات المالية والقرارات المنظمة للعمل المصرفي وتوجيهات مصرف لبنان للبنوك. فالمودعون اليوم لا يزالون في حالة انتظار لاتخاذ تدبير ما من شأنه المحافظة على أموالهم، فهم يلهونهم بإجراءات تجعلهم يتأملون بتحسّن الأوضاع، لكن من دون نتيجة”.
موضحاً أن “أولى علامات الإلهاء تبرز في سحب اللبنانيين دولاراتهم من المصارف وفق سعر الـ 3900 ليرة للدولار الواحد، الأمر الذي سرّهم، علماً أن هذا القرار هو هيركات غير مباشر. أما الهيركات المباشر فهو يفرض عادة من خلال التشريعات فيرسم سياسة نقدية ومالية جديدة منعاً لمزيد من التدهور.
وبرأي القاضي غانم إن الهيركات المنظّم والصريح أفضل من اتخاذ تدابير من دون خلفيات أخلاقية وقانونية.
وشبّه التدابيرالإلهائية التي يعتمدها المسؤولون بمعالجة حالة مرضية بأدوية غير شافية وتتجلّى مظاهرها السلبية من خلال نسب التضخّم التي نراها…حتى أن مصرف لبنان يفكّر في الإنتقال الى النقد الإفتراضي لوضع حدّ لمئات الآلاف من الكتل النقدية التي يرميها في الأسواق”.
“كابيتال كونترول”
ولكن مشروع قانون الـ”كابيتال كونترول” الذي يشرعن الهيركات ولم يقرّ سابقاً بحجة إبقاء الثقة الخارجية بلبنان ونظامه المصرفي، بات جاهزاً اليوم كما أعلن النائب ابراهيم كنعان الأسبوع الماضي، فهل سيضع حداً للدعاوى التي تقام ضد البنوك؟
يعتبر غانم أنه “إذا صدرت تشريعات لمعالجة الخلل في العلاقة القائمة اليوم بين المصارف والمودع، فإن ذلك سيخفّف من حجم الخسائر المترتبة على المصارف بشكل غير مباشر. فعند تنظيم عمليات الإيداع وتحميل المودعين قسماً منها، ستتضاءل ديون الدولة الملقاة على عاتق المصارف وحجم المساعدات التي نحتاجها من الخارج. وانطلاقاً من هنا الـ”كابيتال كونترول” سيلعب دوراً إيجابياً في استعادة الثقة بمسار عمل المصارف، وقد يسهم جزئياً اذا كان التشريع عادلاً كما أعوّل، في وضع حدّ للإنهيار”.
مفعول رجعي
وفي ما يتعلق بإمكانية أن يطبق قانون الـ”كابيتال كونترول” مع مفعول رجعي، وبالتالي قد يضع حداً للدعاوى المقامة قبل صدورها والتي لا تزال سارية او غير منفّذة، أوضح أن “المبدأ المعتمد في القاعدة العامة بالسياسة التشريعية هو “عدم رجعية القوانين” أي لا مفعول رجعياً لها، بل يقتصر مفعولها على المستقبل. ولكن، قد لا تراعى القاعدة، ويكون لقانون الـ”كابيتال كونترول” مفعول رجعي، باعتبار أن الدعاوى التي تقام من دون موضوع يُنزع الحقّ المكتسب الذي أقيمت على أساسه”.
أما الطعن بهذا القانون في حال أقرّ، فهو جائز، باعتباره، كما أكّد القاضي غانم “غير دستوري، ويحصل الطعن أمام المجلس الدستوري اذا وقّع على الطلب رئيسا الجمهورية ومجلس النواب و10 نواب كون الدستور يعزّز ويقدّس الملكية الفردية، وقانون الـ”كابيتال كونترول” لا يضمن تلك الملكية.
زيادة رأس المال
وفي المقلب الآخر، يبدو أن المصارف مضطرة للإلتزام بمطلب مصرف لبنان بزيادة رأسمالها بنسبة 20%، وهو استحقاق يجب إنجازه قبل نهاية شباط وإلا سيقوم بإجراء عمليات دمج. حول ذلك يقول: “البنك المركزي يطلب عادة من المصارف الإقدام على رفع رأسمالها في حالتين: أولاً، بهدف التوسّع بأعمالها، وثانياً، اذا كانت تواجه مشكلة معيّنة تستدعي المعالجة.
طبعاً مطلب المصرف المركزي يصبّ بالحالة الثانية، وما يتبعه من عواقب”.
وحول أعمال الدمج التي قد يقدم عليها “المركزي” والتي تخرج عن أصول الدمج التقليدي الذي يحوز على موافقة الجمعية العمومية لكل بنك وبالتالي رضى الفريقين، يشير القاضي غانم الى أن “الدمج أجازه القانون منذ أزمة إنترا في العام 1967، وفي حالتنا تلك وبما أننا نعاني من أزمة ثقة بالمصارف اللبنانية، يمكن للمصرف المركزي في تلك الحالة إتمام عمليات دمج بنفسه وحتى اللجوء الى تصفية البنوك، اذا ارتأى ذلك حفاظاً على حقوق المودعين وجنى عمرهم المهدّد بالضياع، فدول عدة مثل اليونان وقبرص سلكت هذا المنحى وكانت نتيجة السياسة المالية التي أعدتها ايجابية”.
التدقيق الجنائي
ومن وحي التدقيق الجنائي والمساءلة لمعرفة مرتكبي جرائم الفساد التي أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم والجهة التي يمكن محاسبتها، أكّد أنه “لا يمكن محاسبة الدولة، بل المسؤولين فيها الذين فرّطوا بالحقوق الموكلة اليهم وذلك استناداً الى الآليات الممكن سلوكها لفتح المحاسبة”. وقال: “بالنسبة الى التدقيق الجنائي حيث تمّ تعيين خبراء للكشف على دفاتر الهيئات التي لديها سلطة اتخاذ القرارات لصرف الأموال العامة من إدارات ومصرف لبنان… فسيفتح الباب أمام القضاء للمحاسبة بناء على المعطيات التي يخرج بها التدقيق، وهي عبارة عن حسابات ميزانيات صرف الأموال والصفقات التي كانت تتمّ. فإذا تبيّن أن هناك اختلاساً في المال العام عندها نكون أمام جناية اختلاس تتمّ المحاسبة على أساسها”.
فعملية المراوحة التي يدور في دوامتها المسؤولون من خلال توسيع رقعة الآمال بين الحين والآخر باقتراب موعد تشكيل حكومة ما، قد ينعكس تراجعاً في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، عدا العزم على استعادة الأموال المنهوبة وايجاد نوع من التعويض للمودعين بالليرة اللبنانية، التي تآكلت بنسبة 80% مع تضخّم يتعدّى نسبة الـ100% كما أعلن البنك الدولي في تقريره أمس… وقوننة الهيركات…، ليست سوى عملية الهاء لتمرير الوقت وترتيب المحاصصات، في بلد يصحّ فيه المثل القائل “فالج لا تعالج”.