بات واضحاً أن كل الدعم الخارجي الذي سيأتي إلى لبنان سيكون دعماً للأحياء المتضررة ومساعدات عاجلة لإنقاذ السكان من الأزمات المتلاحقة التي تضربهم وكان أروعها إنفجار المرفأ.
بينما يجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دول العالم لمساعدة الشعب اللبناني المنكوب، يستمر السياسيون في هذا البلد في المناكفات ومحاولة تسجيل الأهداف بين بعضهم البعض غير آبهين لما يحل بالشعب في الشتاء، خصوصاً أن الطرق أكبر دليل على غرق ما تبقى من مؤسسات بالفساد والإتجاه نحو الإنهيار الشامل. وبات مؤكداً أن رئيس الجمهورية ميشال عون لن يسير بمسودة التأليف التي يقدمها الرئيس المكلف سعد الحريري لأنه يعتبر أنها أتت من طرف واحد ولا تعتمد وحدة المعايير، ويتهم عون الحريري بمحاولة إستبعاد المكوّن المسيحي عن لعبة التأليف والشراكة في القرار السياسي.
وبما أن مؤتمر دعم لبنان الذي يعقده ماكرون بات واضح الأهداف فان التركيز سيكون على دعم السكان وتأمين المواد الأساسية وعدم السماح للشعب أن يجوع ومساعدة الأحياء المنكوبة في العاصمة والضواحي، وإعمار مساكن الناس، بينما عملية الإعمار الكبرى، أي المرفأ والبنى التحتية وكل ما يتعلّق بمؤسسات الدولة لن يشملها مؤتمر الدعم، وبالتالي فان لا إعادة إعمار شاملة، وهذا الأمر يُعتبر خيبة أمل للبنان الذي راهن على المبادرة الفرنسية من أجل تحفيز إقتصاده، لكن تلك المبادرة نسفتها مطالب الثنائي الشيعي وتشبث السياسيين بمطالبهم. وما يدل على أن الوضع يتجه نحو الإنحدار السريع هو نية الإدارة الأميركية فرض المزيد من العقوبات والأرجح أنها ستطال القطاع المصرفي، وهذا معطى جديد في السياسة اللبنانية، فالعقوبات الأميركية لا تطال فقط من يدعم الإرهاب و”حزب الله” بل باتت تطال الفاسدين، وإذا كان هذا الأمر يُفرح قلوب اللبنانيين الذين سرقت أموالهم ومدخراتهم، إلا أنه يضع القضاء اللبناني أمام عجز عن ممارسة دوره، كما أن الفاسدين لا يزالون يمسكون بقبضة الحكم، أي إن فسادهم سيستمر. وإنطلاقاً من كل هذه العوامل، فان كل أجواء المسؤولين في لبنان تنذر بتشاؤم شديد لا مثيل له، إذ إن مداخيل الدولة انخفضت بشكل مرعب، ولا توجد إيرادات يُتكل عليها، وكل عملية لتطويل امد الدعم هو أوكسجين للتنفس وليس حلاً للمرض، وكأن الأمر بمثابة إسكات للشعب لكي لا ينفجر الوضع الإجتماعي.
وإذا كان المغترب يمدّ أهله ببعض الدولارات إلا أن وضع المنطقة والعالم والجمود الإقتصادي العالمي بسبب أزمة “كورونا” يؤثران حكماً على الواقع الإقتصادي اللبناني، في حين أن العقوبات الأميركية على القطاع المصرفي ستضرب الثقة بهذا القطاع الذي كان من أهم القطاعات في لبنان، وستدفع الأمور إلى الهاوية، في حين ان الموقف الخليجي لا يزال يظهر عدم الرغبة إلى حد الامتناع عن مساعدة لبنان بسبب سيطرة “حزب الله” على القرار الداخلي واستمرار الفساد في إدارات الدولة. كل المؤشرات الحكومية والإقتصادية وحتى الصحية سلبية، ويرتفع منسوب التشاؤم مع غياب أي خطة إنقاذ جدية واستمرار الكباش الداخلي، يُضاف إليها التأزم الإقليمي والدولي والذي زاد مع إغتيال العالم النووي الإيراني، ما يعني أن لبنان عليه أن ينتظر الحل الإقليمي ليبدأ الحل السياسي عنده، في حين ان الحلول الإقتصادية هي في يد حكام لبنان وليست مرتبطة بالخارج.