وسط فيضٍ من علامات التعجّب، أعلن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه أنّه يتابع مع سفير لبنان في نيجيريا وقنصل لبنان الفخري في الكاميرون “مصير باخرة تجارية قيل إنها فقدت بين الكاميرون ونيجيريا، وتقلّ على متنها عشرة بحّارة، ثلاثة منهم لبنانيون بحسب التقديرات”، في صيغة تعتمد سياسة الإنكار والمراوغة وعدم الإدلاء بالتفاصيل حول خبر يؤكّد “اختطاف 3 بحّارة لبنانيين” على يد جماعة مسلّحة معروفة باسم “قراصنة إصلاح دلتا النيجر المنتقمون”.
تفاجأ اللبنانيون بخبر كهذا لا يتجاوز العشرة أسطر ويتناول حادثة مؤسفة بهذا القدر من الإستخفاف، ما الذي حدث بالتحديد، ومتى؟ على أنّ السؤال الأكثر أهمية الذي ربّما على الوزير وهبه الإجابة عليه “ماذا أنتم فاعلون”؟
بدأت القصّة منذ ستة أيام، تحديداً في 26 تشرين الثاني، حينما تعرّضت سفينة شحن عام اسمها “ميلان واحد” للقرصنة بالقرب من محطة بنينجتون في نيجيريا أثناء انتقالها من إسكرافوس إلى دوالا في الكاميرون، ممّا أدى إلى اختطاف 10 من أفراد طاقمها وهم مواطنان مصريان و3 لبنانيين و4 مواطنين يحملون الجنسية الهندية، بالإضافة إلى شخص آخر يحمل الجنسية الكاميرونية. وبحسب تقارير الملاحة، تعرّضت السفينة للهجوم في المياه النيجيرية، خليج غينيا، على بعد حوالى 10 نانومتر قبالة ساحل ولاية بايلسا، وذلك حوالى الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل بتوقيت بيروت. فكانت سفينة الشحن في طريقها من كوكو نيجيريا إلى دوالا الكاميرون، ومن المفترض أن تصل نهار الجمعة أو السبت 27 أو 28 تشرين الثاني إلا أنّ السفينة تباطأت ثم انجرفت الى مسار آخر وفقدت إشارتها لحوالى الساعتين (بين الساعة 2:30 و 4:30) يُرجّح أن ذلك قد حدث في أثناء صعود القراصنة إليها. وعندما ظهرت الإشارة مرة أخرى، كانت السفينة قد غيّرت المسار كلّياً، وتمّ تأكيد عملية الخطف والإحتجاز.
وفي معلومات عن السفينة، علمت “نداء الوطن” أنها سفينة من نوع “شحن عام” تمّ بناؤها عام 1982 بواسطة “هارلنجن شيبسوارف هارلنجن” وكانت تبحر حالياً تحت علم “سانت كيتس ونيفيس”. تغيّرت أسماؤها مرّات عدّة مع تغيّر هوية من اشتروها، فعُرفت سابقاً أيضاً باسم “كونكورديا” عام 1988 و”كونكورد” عام 1994 و”بيسكاي” عام 1996 و”ماريا سميت” عام 1999 وباسم “نازلي” عام 2012 و”ماي” عام 2013 حتى اشتراها البحّار اللبناني “أحمد الكوت” منذ ست سنوات وغيّر اسمها لتكون اليوم سفينة “ميلانو واحد” وأبحر بها رحلات عدّة قبل أن يؤجّرها مع خدمات الطاقم هذه المرّة لشخص كاميروني الجنسية يُدعى “تافو لورانس” ويتمّ اختطافها.
“فلتشترِ الدولة اللبنانية سفينتي وندفع الفدية عن البحّارة اللبنانيين الثلاثة ولا أريد فلساً، ولا حتّى أريد استرداد سفينتي”، بهذه الكلمات بدأ صاحب السفينة البحّار أحمد الكوت حديثه مع “نداء الوطن” شارحاً أنه تلقّى اتصالات عدّة من الخاطفين، عبر هاتف “ثريا” لا يمكن تعقّبه، طالبوه فيها بدفع فدية مالية عن الجميع بدأت بمبالغ كبيرة ووصلت الى حدّ مبلغ مليون ونصف مليون دولار أميركي كي يُفرجوا عن اللبنانيين الثلاثة، أي ما يُقدّر بنصف مليون دولار للشخص الواحد. ويُكمل: “أنا على اتّصال مباشر مع البحرية النيجيرية ومع وزير الخارجية، لكن لا أعلم هل ستستطيع الدولة اللبنانية تأمين مبلغ الفدية المطلوب كي نسترجع الطاقم على الأقل. ولقد أخبرت الخاطفين أنني صاحب السفينة إلا أن هذه الرحلة بالتحديد كانت مؤجّرة إلى شخص آخر، والبضاعة الموجودة على متن السفينة ليست لي، إلا أنني أتوسّط التفاوض حالياً بالرغم من أنّ كلّ ما يهمّني اليوم هو سلامة الطاقم المخطوف”.
وأردف الكوت “هي ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها اختطاف سفن في هذه المنطقة، فقد بلغ العدد الإجمالي للطاقم المختطفين من السفن العاملة في خليج غينيا في عام 2020 حتى اليوم 128 شخصاً في 24 حادثاً. وأخيراً إزدادت حوادث احتجاز السفن والصعود على متنها خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة النيجيرية (EEZ)، ووِفقاً لشركة الأمن البحري درياد غلوبال ومقرّها المملكة المتحدة، يُحتمل أن تُعزى عملية القرصنة إلى الجماعة المسلّحة المعروفة باسم جماعة إصلاح دلتا النيجر المنتقمون”. ورفض الكوت مشاركة أسماء المخطوفين، لأنّه، بحسب قوله، “لا يريد أن يُثير أي ضجّة إعلامية تسلّط الضوء على الأهل أو تستثمر في مأساتهم”، إلا أنّه أكّد أنه “اطمأنّ الى حالة كل الطاقم المخطوف وأنهم بخير حتى الآن”، مؤكداً أنه ليس بمقدور أهالي المخطوفين تأمين الفدية وخصوصاً بالعملة الصعبة وفي الحالة الإقتصادية التي تعاني منها البلاد حالياً”.
من غير المرجَّح أن تُشكّل كارثة كهذه مقدّمة لتغيّر تعاطي المنظومة السياسية مع مآسي المواطن اللبناني، واليوم لا حول لأهالي المخطوفين ولا قوّة سوى الوثوق في “الدولة اللبنانية” بأنّها ستدفع “المليون ونصف المليون دولار للخاطفين” في زمن تحتجز فيه نفس الدولة أموال الشعب ومدخراتهم، ويُقتل المواطن اللبناني في انفجار صُنّف الثالث عالمياً من حيث القوة، فلا يمشي في جنازتهم مسؤول، ولا تُحاسب جهة، ولا يعوّض على الأهالي إلا الذكريات.