بدأ النقاش حول مستقبل العلاقات الدولية مع إيران، منذ أُعلن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يأخذ منحى جديداً.
لم يعد بايدن نقيضاً، في الأهداف، للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل بات “أسلوباً آخر”.
ويبدو واضحاً أنّ الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة الأميركية ووزارات الخارجية في الدول الأوروبية المعنية، وصلت الى تقاطع واحد، وهو أنّ الملف الإيراني لم يعد يعني، في أيّ وجه من الوجوه، الاتفاق النووي فحسب بل بات يعني أكثر من ذلك بكثير: الاستقرار الإقليمي الذي تزعزعه إيران، بالصواريخ الباليستية، من جهة وبالميليشيات التابعة لها أو المدعومة منها، كما هي عليه الحال، على سبيل المثال لا الحصر، مع “حزب الله” اللبناني و”الحوثيين” في اليمن، من جهة أخرى.
وقد ولّدت التطورات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط، في سنوات ولاية دونالد ترامب، وقائع جديدة لم يعد ممكناً لا لواشنطن ولا لأوروبا أن تتغاضى عنها، وتعود الى زمن ولّى.
ومنذ انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، انكبّ المعنيون بالملف الإيراني، على دراسة المعطيات الدقيقة التي أدّت، في العمق، إلى إفشال مسار الاتفاق النووي، فتبيّن بوضوح أنّ واشنطن، مع الرئيس السابق باراك أوباما، ذهبت الى هذا الاتفاق، خلافاً لإرادة الدول الحليفة لها في المنطقة، الأمر الذي سمح لخلفه ترامب أن ينفض يد بلاده منه، تحقيقاً لمصالحها مع الدول الحليفة ولا سيّما إسرائيل ومجلس التعاون الخليجي.
وإذا كان تأثير الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية كبيراً، في السنوات الماضية، على الرغم من “تشتّتها”، فإنّ هذا التأثير، قد تنامى كثيراً هذه السنة، بفعل التقاربات العلنية والسرية التي أنتجها “إتفاق إبراهيم”.
وتدرك واشنطن وبروكسل أنّ هذه الدول المتضررة من سلوك إيران لن تقف مكتوفة الأيادي، إزاء كل ما يمكن أن يتعرّض لمصالحها، فهي، خلافاً لاعتقادات البعض السطحية، ليست “ألعوبة” في أيادي الولايات المتحدة الأميركية، وليس أدلّ على ذلك من التعاون السعودي-الإماراتي مع الجيش المصري للإطاحة بحكم تنظيم “الأخوان المسلمين” الذي جسّده الراحل محمد مرسي، وكان يحظى بدعم إدارة أوباما.
وهذا يعني أن بايدن عندما يتسيّد “البيت الأبيض” عليه أن يوازن بين الوعد الإنتخابي بالعودة الى الاتفاق النووي، من جهة أولى وبين مصالح بلاده مع الدول الحليفة، من جهة ثانية.
إنّ هذا المنحى يفيد أنّ إعادة فتح قنوات الحوار مع طهران تفترض أن تكون تحت عنوان عريض، وهو توفير الاستقرار في المنطقة، الذي يضع كل الملفات المشكو منها على مستوى واحد: الملف النووي، الصواريخ الباليستية والميليشات الإيرانية أو المدعومة من إيران.
وتعرف إدارة بايدن أنّ المشكلة التي أسقطت الاتفاق النووي تكمن في أنّ أوباما، وبهاجس تحقيق إنجاز كبير، قد أسقط “السلة المتكاملة” لمصلحة “الحلول المتدرّجة”، بحيث قدّم الملف النووي على الملفات الأخرى التي لا تقل أهمية عنه.
واعتماد تكتيك “الحلول المتدرّجة” أراح إيران مالياً، ممّا أعانها على تقوية “أذرعتها” في المنطقة، بتوفير الأسلحة والأموال التي تحتاجها.
وفي ظلّ إدارة أوباما، على سبيل المثال لا الحصر، أتمّ “حزب الله” بسط نفوذه على لبنان.
إنّ التوصّل الى خلاصات عن أسباب فشل ما أنجزه أوباما لا يُظهر أنّ المسألة الرئيسة اسمها دونالد ترامب، بل اسمها إهمال مصالح الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية.
وهذه الرؤية التي من المرجّح أن تتحكّم بسلوك إدارة بايدن، خصوصاً وأنّها ليست غريبة عن أدبيات المرشّح لشغل منصب وزير الخارجية، تُدركها طهران، ولهذا السبب، هي تتشدّد في طروحاتها وسلوكها، وسط تهديدات بنقل السلطة، في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران (يونيو) المقبل من “المعتدلين” الى “المتشدّدين”.
ولكنّ للتشدّد الإيراني حدوداً، فإدارة ترامب التي يتبقى لها شهران “تترك كلّ الاحتمالات مفتوحة” بما فيها “الإحتمال العسكري”، كما أنّ قدرة قادة إيران “اللسانية” تفوق قدراتهم المالية والإقتصادية التي تشهد تدهوراً مريعاً.
في المقابل، إنّ قدرات خصوم إيران في المنطقة تتعزّز، على كل المستويات، حتى باتت إسرائيل، لأوّل مرة، على حدود إيران الإستراتيجية.
وبناء عليه، فإنّ المتغيّر الأساسي في خصوص الملف الإيراني، في ضوء دخول جو بايدن الى البيت الأبيض، يُرجّح أن يكون الأسلوب وليس الأهداف.