كشفت حادثة هروب عشرات السجناء من نظارة قصر عدل بعبدا، السبت الماضي، وجود مكامن خلل في الجهازين الأمني والقضائي، خصوصاً على مستوى تعاطيهما مع واقع السجون، ما يستدعي مراجعة شاملة لعملهما في هذا المجال.
على الرغم من انّ الترهّل في وضع السجون يتفاقم ويتمدد منذ وقت طويل، تحت مسمع الدولة ومرآها، إلّا انّ اي تدبير حقيقي لم يُنفّذ لتفكيك صاعق هذه القنبلة الموقوتة، بل بقيت الامور على غاربها، فلا القضاء استعجلَ المحاكمات المؤجّلة لتحقيق العدالة وتخفيف الزحمة، ولا السلطة التشريعية أصدرت قانون العفو لمَن يستحقه، حتى وقعت فضيحة الفرار من سجن بعبدا، والتي تختصر أزمة الدولة ككل.
ويقول وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي لـ”الجمهورية” انه أعطى توجيهاته الحازمة الى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بضرورة محاسبة كل المسؤولين عن هرب عشرات السجناء من نظارة قصر عدل بعبدا، لافتاً الى انّ التقصير ثابت على العناصر الأمنية التي كانت مولجة بحماية النظارة، وبالتالي ستُتخذ في حقها العقوبات اللازمة، «أمّا احتمال حصول تواطوء بين تلك العناصر وبعض الفارّين فهو موضع تحقيق، واذا ثبت وجوده فسيتم اتخاذ أقصى العقوبات بحق المتواطئين، استناداً الى القوانين المرعية الاجراء.
ويشير الى انه كان يوجد نقص في عدد أفراد مجموعة الحراسة مقارنة مع نسبة الموقوفين، لكنّ ذلك لا يبرّر ما جرى، إذ بالإمكان التعويض عن النقص العددي عبر ما يُسمّى “الدفاع السلبي”، أي من خلال تعزيز أقفال أبواب السجن وعدم إهمال كاميرات المراقبة وغيرها من التفاصيل العملانية.
ويؤكد انّ المحاسبة لن تتوقف عند حدود مجموعة الحراسة للنظارة، لافتاً الى انّ قائد الدرك يتحمّل مسؤولية معنوية عمّا حصل.
ورداً على مطالبة البعض بمساءلة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، يعتبر فهمي انّ عثمان لا يتحمل اي مسؤولية مباشرة عمّا جرى في نظارة بعبدا، وبالتالي سيكون من الظلم تحميله وزر هذه الحادثة.
ولو انّ الحكومة غير مستقيلة، هل كنت ستستقيل كوزير للداخلية بعد الهروب الكبير للسجناء؟
يؤكد فهمي انه لم يكن ليتخذ قراراً من هذا النوع، معتبراً انّ المسؤولية المعنوية التي يتحمّلها عن بُعد كوزير داخلية ليست سبباً كافياً للاستقالة، “إضافة إلى انني بطبعي لا أقبل الهروب من التحديات، بل أواجهها مهما كانت صعبة”.
ويشير الى انّ القضاء يتحمل مسؤولية كبيرة عن حادثة نظارة بعبدا، نتيجة تقصيره في إجراء المحاكمات، ما يتسَبّب في اكتظاظ النظارات والسجون بالموقوفين الذين لا هم مُدانون ولا أبرياء، الأمر الذي يُرتّب على القوى الأمنية أعباء ثقيلة لجهة التعامل مع تَبعات هذا الاكتظاظ ونتائجه.
ويوضح انّ التفتيش مستمر عن السجناء الذين لا يزالون فارّين، كاشفاً انّ قوى الأمن الداخلي رفعت جهوزيتها الى نسبة 100/100 لتكثيف أعمال البحث على أوسع نطاق ممكن بغية إلقاء القبض على الفارّين وإعادتهم الى السجن.
ويرجّح وزير الداخلية أن يكون الشعور بالتعب قد بدأ يتسرّب الى السجناء الهاربين بعد مرور بضعة ايام على فرارهم، وذلك نتيجة النقص في الطعام والشراب وعدم وجود أماكن آمنة تأويهم، الأمر الذي يمكن أن يسهّل العثور عليهم تباعاً خلال الأيام المقبلة.
ويلفت الى انه أعطى التوجيهات اللازمة لتمتين أبواب السجون كافة منعاً لتكرار ما حصل في نظارة بعبدا، موضحاً انّ المؤسسة الامنية تستخرج الدروس والعِبَر من كل تجربة تمرّ فيها، بهدف تفادي تكرار الأخطاء، أو تحسين الإيجابيات اذا كانت التجربة ناجحة.
على صعيد آخر، ينفي فهمي ان تكون مجموعة كفتون الارهابية التي جرى توقيفها قد خطّطت لاغتيال النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد ورئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير، مشدداً على أنّ ما نُشر في هذا الصدد لم يكن صحيحاً.
ومع ذلك، يعتبر أنّ مرحلة انعدام الوزن التي يمر فيها لبنان قد تُشجّع بعض أصحاب الأجندات التخريبية على تنفيذ اغتيالات أو اعتداءات، لكنّ القوى والأجهزة الأمنية ستكون بالمرصاد لمثل هذه المحاولات.