الخبر بالصوت

ضربة جديدة تتلقاها المبادرة الفرنسية في لبنان. ترنُّحُ المبادرة يدفع المسؤولين اللبنانيين إلى إبقائها شمّاعة تتعلّق عليها كل الموبقات.

الضربة الأولى للمبادرة الفرنسية، وجّهت إليها حين أُدخلت بدهاليز عملية تشكيل الحكومة، والتكالب على الحصص والمكاسب بين القوى اللبنانية. فلم تتمكن باريس من تمرير مبادرتها، ولو عبر الإتيان بأي حكومة، كيفما كان شكلها.

الضربة الثانية هي إسقاط ملف التدقيق الجنائي، بانسحاب شركة ألفاريز أند مارسال. وانسحاب الشركة لا تتحمّل مسؤوليته جهة واحدة، إنما كل القوى السياسية مجتمعة، بغض النظر عن مواقف عديدة لقوى سياسية متعددة تستنكر انسحاب الشركة (استنكار لفظي على الأغلب).

المبادرة الميّتة

كل طرف كان لديه أهداف معينة من “التدقيق”. والأكيد أن أحداً لم يكن يريد لهذا التدقيق أن يصل إلى أي معلومة أو نتيجة، حتى أكثر المتحمسين له، لأن الجميع متورط. مَن رفع لواء عملية التدقيق كان يريد فقط هدم الجدار حول المصرف المركزي، واقتحامه وإخراج رياض سلامة منه. عدا عن ذلك، لم يكن بالإمكان الوصول إلى نتيجة أخرى. حتى حزب الله لم يكن في وارد السماح بحصول التدقيق الجنائي، في ظل الكثير من الاتهامات التي توجه إليه وإلى المصرف المركزي والمصارف اللبنانية، في إبتكار طرق عديدة للالتفاف على العقوبات منذ العام 2016 إلى اليوم.

التدقيق الجنائي المالي هو البند الأول في المبادرة الفرنسية. إسقاطه يعني إسقاط المبادرة مجدداً في شقها المالي، كما أُسقطت في الشق السياسي. وذلك يقود إلى خلاصة واحدة، مفادها أن المبادرة الفرنسية انتهت. ويمكن تشبيهها بالمبادرة الروسية التي أطلقتها موسكو في العام 2018 لإعادة اللاجئين السوريين، ففشلت وانتهت، فيما بقي المسؤولون اللبنانيون يتحدثون عن “المبادرة الروسية” واستخدامها بكل أسباب التعمية في التعاطي مع ملف اللاجئين. وكل من يريد التهرب من أي مسؤولية تتعلق بهذا الملف، كان يحيل الأمر إلى المبادرة الروسية. انتهت المبادرة الروسية وبقي اللبنانيون يتحدثون عنها. والآن، تنتهي المبادرة الفرنسية ويبقى اللبنانيون يتحدثون عنها.. وبالرياء ذاته.

بعد اجتماعات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في باريس، يمكن القول بشكل واضح إن المبادرة الفرنسية سقطت سياسياً ومالياً. استمرار المسؤولين اللبنانيين بالحديث عن المبادرة لا يعدو كونه محاولة للتعمية لا أكثر. فالمبادرة بجوهرها لم تعد موجودة، ولا أي مقومات لإعادة إحيائها. وهناك معطيات كثيرة تفيد بأن موقفاً أوروبياً أميركياً يتبلور أكثر فأكثر، منذ موافقة عدد من الدول الأوروبية على الرضوخ للضغوط الأميركية، وتصنيف حزب الله بشقيه السياسي والعسكري كتنظيم إرهابي، باستثناء فرنسا.

مبادرة أوروبية؟

ليست الولايات المتحدة الأميركية وحدها من كان لديه مصلحة في عرقلة المبادرة الفرنسية وإسقاطها، دول أوروبية كثيرة -على رأسها ألمانيا- لم تكن لتتفرج على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن عن طموحه في تزعّم القارة الأوروبية. يتزامن ذلك مع معلومات تفيد بأن الاتحاد الأوروبي يتجه إلى تعيين مبعوث خاص للبنان. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه عندما يقدم المجتمع الدولي على مثل هذه الخطوة، يعني أن الدولة التي يتم تعيين مبعوث خاص فيها قد أصبحت دولة فاشلة. كما هناك مبعوث دولي لسوريا، سيكون الحال بالنسبة إلى لبنان. وهذا سيعكس تدهور الوضع أكثر فأكثر.

يتجه الإتحاد الأوروبي إلى تحويل المبادرة الفرنسية إلى مبادرة أوروبية، وتعيين مبعوث خاص لمتابعة الشأن اللبناني. وحسب المعلومات، فإن هذه الخطوة تأتي بدعم ألماني، على أن يكون المبعوث الأوروبي إيطالي الجنسية. كل هذه المؤشرات تؤكد أن لبنان يذهب أكثر نحو الانهيار، ونحو مصاف الدول الفاشلة. وفي هذه الحال، لا يمتلك لبنان أي مقومات للصمود. رهانه فقط على ملف ترسيم الحدود، وما قد يحرزه من تخفيف للضغوط، وتالياً السماح بالتنقيب عن النفط والغاز لتحسين وضعه المالي والاقتصادي، وإن كان ذلك سيستغرق سنوات عدة.

المسار الحدودي الصعب

في ظل الجمود السياسي على مختلف الصعد، تبقى الأنظار كلها متجهة إلى ملف الترسيم. حتى الآن، المفاوضات لم تحقق أي تقدم، ولم يتم الاتفاق على النقطة التي يجب أن تنطلق منها عملية الترسيم. لكن الحديث عن الاستمرار في جلسات التفاوض، على الرغم من الفشل في المضمون، يدلّ على إضفاء نظرة إيجابية ومهدّئة، والمحافظة على الحدّ الأدنى من الاستقرار ومنع حصول أي توترات. أما بحال أُعلن فشل المفاوضات، أو انسحب أحد الطرفين منها، سيفتح الباب أمام احتمالات كثيرة، قد تؤدي صدامات أو عمليات عسكرية وأمنية.

في المقابل، فإن جزءاً أساسياً من تقييم إيران وحزب الله للعقوبات الأميركية، يشير إلى ان ترامب قد استعملها، حتى استنفدت الكثير من قيمتها وجوهرها، ولم تعد قادرة على تحقيق مفاعيل سياسية، لأنها يجب أن تكون آلية ضغط لتغيير مسار معين. وهذا المسار لم يتغير. الأمر الذي يدفع إيران إلى انتظار الإدارة الأميركية الجديدة التي يُفترض أن تسلك طريقاً مغايراً لطريق العقوبات الذي سلكه ترامب. إنما من غير المعروف إذا ما كان هذا الطريق فعلاً سيتغير. وحتى لو حدث ذلك، سيكون لبنان أمام خلاصة واضحة: طريق الانهيار طويل.

اترك تعليقًا