الخبر بالصوت


أسقط تحالف المنظومتين السياسية والمالية عملية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، التي تشكل منطلقاً أساسياً للإصلاحات التي رسمها المجتمع الدولي للبنان شرطاً لمنحه المساعدات التي يحتاج إليها.

ومثلما وافقت الطبقة السياسية بالإجماع على المبادرة الفرنسية ورحبت بها بحفاوة، ومثلما أبدت حماسة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وافقت مرغمة على القبول بإجراء تدقيق مالي بعد مماطلة وتمنع بذرائع شتى، مدركة أن الأمور لن تصل إلى خواتيمها بفضل القوانين اللبنانية المفصَّلة على قياسها. استخدمت المنظومتان؛ السياسية والمالية، سلاح السرية المصرفية لعرقلة تحقيق شركة “الفاريز آند مارسال” وإفشال مهمتها؛ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، امتنع عن تزويد الشركة بالمستندات المطلوبة، وساندته مرجعيات وقوى سياسية برفضها تذليل عقبات القانون عبر تعليق العمل به مؤقّتاً، أو إيجاد مخرج مناسب لإتمام هذه العملية.

وإزاء هذه التعقيدات اتخذت الشركة المكلفة بالتدقيق قرارها بإنهاء الاتفاقية الموقعة مع وزارة المالية، وذلك بعد موافقتها على تمديد فترة عملها 3 أشهر إضافية في مطلع هذا الشهر، وذلك “نظراً لعدم حصول الشركة على المعلومات والمستندات المطلوبة للمباشرة بتنفيذ مهمتها، ولعدم تيقنها من التوصل إلى هكذا معلومات، حتى ولو أعطيت لها فترة ثلاثة أشهر إضافية لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان”.

مرجع مصرفي سابق كشف لـ القبس أنه لم يفاجأ بانسحاب “الفاريز”، والذي كان متوقعاً، عاجلاً أم آجلاً. ويضيف أن بلوغ التدقيق خواتيمه (يعني فعلياً نهاية عدد من القوى السياسية) كان ضرباً من الوهم؛ لأن تحالف المتضررين من انكشاف مصير ودائع اللبنانيين والأموال المنهوبة على مدار عقود أكبر بكثير من الراغبين في جلاء الحقيقة.

لو كانت السلطة السياسية والمالية جادة في إجراء التدقيق في مصرف لبنان، وهو النبع الأساسي لكل الحسابات المصرفية والعمومية كما الحسابات الشخصية للأفراد والمجموعات التي يمكن أن يستهدفها التدقيق، لكانت عَدّلت القوانين المطلوبة قبل إبرام الاتفاقية معها، بما فيها قانون السرية المصرفية، وقانون النقد والتسليف، خصوصاً المادة 151 التي تحظر على أيّ موظف حالي وسابق في مصرف لبنان الإدلاء بأيّ معلومات. أمّا أول تداعيات سقوط عملية التدقيق، التي كان الهدف الأساسي منها كشف مصير الأموال المنهوبة ووضع الخطوة الأولى في عملية الإصلاح على السكة، أي تطمين الشعب اللبناني والمجتمع الدولي في آن، فستتجلى في تحليق سعر صرف الدولار نتيجة إغلاق كل المنافذ على حلول للأزمة الاقتصادية. وهو ما أشار إليه الخبير المالي حسن خليل، إذ اعتبر أن “إعلان شركة الفاريز انسحابها هو دليل بداية الانفجار الكبير”.

اترك تعليقًا