كتبت “الجمهورية” تقول: لعل النتيجة الوحيدة والمتوقعة وغير المفاجئة التي تستخلص من زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل الى بيروت، هي أن لا حكومة في المدى المنظور، وأنّ الزائر الفرنسي اصطدم بحقيقة أنّ الأسباب التي عطّلت تأليف حكومة مصطفى أديب، وحملت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى وَصف القادة اللبنانيين بأنّهم “خانوا فرنسا ولبنان والشعب اللبناني”، ما زالت هي نفسها التي تعطّل تأليف حكومة سعد الحريري، إنّما بشكل أكثر فجاجة.
هذا الانغلاق الحكومي يتزامن مع الاغلاق العام الذي يبدأ اليوم وحتى آخر هذا الشهر، ضمن إطار الإجراءات الوقائية التي قرّرتها السلطة الحاكمة لِلحَد من انتشار وباء “كورونا”، الذي قفز عدّاد الاصابات فيه الى ما فوق الـ100 ألف إصابة. والعبرة هنا ليست في اتخاذ القرارات والاجراءات، بل في حسن تنفيذها بالطريقة التي تجعلها محقّقة للغاية التي اتخذت من اجلها، علماً أنّ هذه الإجراءات هي أصلاً محل شكوى وتذمّر واعتراض على مختلف المستويات، وخصوصاً لناحخية الثغرة الفاضحة التي تعتريها بتشريعها الباب على استثناءات واسعة، تضع البلد أمام إغلاق جزئي استنسابي لا يحقق بالتأكيد الغاية المرجوّة منه، وبالتالي لا يصحّ على الاطلاق تقديمه على أنه إغلاق شامل وتام!
“العوَض بسلامتكم”
سياسياً، “العوَض بسلامتكم بالحكومة”، هي جملة أوردها أحد كبار المسؤولين، في معرض تقييمه للمحادثات التي أجراها الموفد الفرنسي مع الاطراف السياسية المعنيّة بالملف الحكومي. وأضاف: يبدو أنّ مشوار التأليف طويل، وإن بقينا على هذا المنوال، فإننا إن شاء الله “نخلّص” في اسابيع، هذا إذا لم يكن في أشهر، وتصوّروا حال البلد من الآن وحتى ذلك الحين، أخشى انه قد لا يبقى البلد.. الآن هناك من جاء ليساعدنا على إبقاء بلدنا على قيد الحياة، ومع الأسف هناك من هو مُصرّ في الداخل على أن يُحضّر مراسم دفن البلد وخنقه بتعقيدات مفتعلة، الآن هناك اصدقاء يلتفتون إلينا، لكنّ خوفي كبير من أن نصل إلى مرحلة يَنكرنا فيها حتى الأصدقاء ولا نجد أحداً يأتي ويحضر مراسم الدفن”!
الشهران الخطيران
ومع الإنسداد في الأفق الحكومي، تتزايد النقمة لدى مستويات سياسية وشعبيّة بشكل عام، من هذا المنحى الاستفزازي والاستخفافي لدى مُعطّلي تأليف الحكومة، الذين يستسهلون اللعب بمصير الناس، وحَشر البلد في حقيبة وزارية من اجل شخص؛ فالمبدأ العام هو أنّ كل شيء يهون أمام الوطن الّا في لبنان، فأمام مصالح السياسيين يهون لبنان ويُهان. فحوّلوه الى دولة منحورة بالكامل، مفلسة من كل شيء، ومعرّضة لأي شيء وفي أيّ وقت، خصوصاً انّ النصائح تتوالى بضرورة إعادة التقاط البلد قبل سقوطه، وكذلك التحذيرات من تطورات دراماتيكية قد تحصل على مستوى المنطقة خلال الشهرين المقبلين تستوجب حدّاً أعلى من اليقظة والحيطة والحذر. وعَين البعض على الجبهة الجنوبية وما تُبَيّته اسرائيل، التي وصل طيرانها الحربي في تحليقه في الساعات الاخيرة الى ما فوق العاصمة بيروت، فأيّ رسالة تريد أن ترسلها اسرائيل في اتجاه لبنان في هذا التوقيت بالذات؟
الطريق مسدود
وسط هذه الاجواء أعادت باريس تفعيل حضورها في بيروت لعلها تنتشل الملف الحكومي من حقل التعقيدات العالق فيه.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فقد بَدا جلياً ممّا أحاطَ مداولات الموفد الفرنسي باتريك دوريل، خصوصاً مع المعنيّين المباشرين بملف التأليف، أنّه لَمسَ عن قرب بأنّ طريق حكومة المبادرة الفرنسية مسدود، وبلوغها، إن كان ممكناً بعد، رهنٌ بمسار طويل وشاق، رَسَمه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من خلال حديثه عن توافق وطني واسع لتشكيل هذه الحكومة، وبإقراره بأنّ “العقوبات التي استهدفت سياسيين زادت الأمور تعقيداً”.
في العلن، قال الجميع إنّهم ملتزمون بالمبادرة الفرنسيّة، أمّا في الغرف المغلقة، وعلى ما تؤكد معلومات “الجمهورية”، فبَدا الأمر وكأنّ الحكومة تعطّل نفسها بنفسها، بحيث ارتدوا جميعاً أثواب حِملان وديعة وتنَصّلوا من مسؤولية التعطيل، وهي بالتأكيد صورة مزيّفة لم تقنع الموفد الفرنسي الذي كان ملمّاً بكلّ التفاصيل ومَكامن العقد وهوية المعطّلين ولأيّ سبب، فرَدّد غير مرّة انّ المبادرة الفرنسيّة حاضرة على الطاولة، وأنّ حاجة لبنان ملحّة اكثر من أي مضى لحكومة مهمّة، وأنّ وفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه لبنان مرتبط بتحقيق الاصلاحات.
الاستعانة بصديق!
وفي المعلومات ايضاً، أنّ الموفد الفرنسي جاء بخلفيّة السعي الى تحقيق خَرق في الملف الحكومي، إستطلع مواقف الاطراف جميعها، فسمع مجاملات للمبادرة الفرنسية. سأل عن الحكومة، فتأكّد له أنّها عائمة على بحر واسع من التباينات في النظرة إلى تأليفها، وخصوصاً بين طرفي التأليف؛ رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري.
وبحسب المعلومات، فإنّ بحر التباينات هذا، يُصعِّب مهمّته، ويستحيل معها تحقيق الخَرق في الجدار الحكومي الذي كان يسعى إليه. ومن هنا لم يكن أمامه سوى محاولة “الاستعانة بصديق”، لعلّ هذا الصديق يمهّد “بوساطته” الى هذا الخرق، ويتمكّن من تَليين موقفَي عون والحريري ويضيّق مساحة التباينات بينهما. وثمّة تمنيّات مباشرة عَبّر عنها الموفد الفرنسي في عين التينة، حيث كان دوريل مرتاحاً لِجو المحادثات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكد له “انّ موقفنا من البداية هو تسهيل تأليف الحكومة الى أبعد مدى، ولا توجد أيّ عقدة من جانبنا، او من جانب “حزب الله”. وفي هذا اللقاء كان دوريل صريحاً بقوله إنه يُعوّل على دور مساعد يؤديه الرئيس بري لتليين المواقف والتعجيل بالحكومة، سواء مع الرئيس المكلّف أو مع رئيس الجمهورية إمّا مباشرة عبره شخصياً، وإمّا بالشراكة والتعاون والتنسيق مع “حلفاء” رئيس الجمهورية.
لا سبب مقنعاً!
وتؤكّد المعلومات أنّ الموفد الفرنسي لم يأتِ على ذكر أيّ عقوبات يمكن أن تلجأ إليها باريس في حال بلوغ الملف الحكومي الحائط المسدود نهائيّاً، وهو ما أكدته لـ”الجمهوريّة” مصادر سياسية موثوقة لاحظت أنّ دوريل حاضِر بمهمّة محدّدة إلى بيروت، خلاصتها أنّ باريس تمنح اللبنانيّين “فرصة أخيرة” لتأليف الحكومة، لكي يستغلوا “الفرصة الأخيرة” للإنقاذ التي تتيحها لهم المبادرة الفرنسيّة”.
وتلفت المصادر عينها الى أنّ التعليمات المزوّد بها دوريل من “الإيليزيه” تَنطوي على رسالة فرنسيّة غير مباشرة، مَفادها وضع الاطراف اللبنانيين جميعهم أمام مسؤولياتهم، وإشراكهم في الجهود الرامية الى تأليف الحكومة، وعدم وجود أيّ تحفّظات أو “فيتوات” على أيّ طرف، خلافاً لِما يُشاع بين وقت وآخر عن “فيتو” على هذا الطرف أو ذاك، ومن هنا جاءت زيارة ممثّل الرئيس الفرنسي إلى “حزب الله” في حارة حريك، ولقاؤه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، على أرض “حِزبَللاويّة”، وليس كما جرت العادة، على أرض فرنسيّة في قصر الصنوبر. وهي زيارة تتّسِم بالجرأة الفرنسية، خصوصاً أنّها تأتي في الوقت الذي يَشهر الاميركيون سيف العقوبات بحق سياسيّين لبنانيين مصنّفين في خانة الحلفاء لـ”حزب الله”، وآخرهم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. وبَدا جليّاً انّ دوريل يعوّل على “دور مساعِد” للحزب في تليين موقف حلفائه، وتحديداً رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”. وخلاصة البحث في حارة حريك أنّ الموفد الرئاسي الفرنسي سَمع من النائب رعد كلاماً مريحاً، خصوصاً لناحية التعجيل في الحكومة والالتزام بمبادرة ماكرون.
وبحسب المصادر، فقد تأكد للموفد الفرنسي أنّ العقدة المانعة لتشكيل الحكومة حتى الآن، ليست موجودة لدى “حزب الله”، وقالت مصادر الحزب لـ”الجمهورية”: “لقد أبلغنا الموفد الفرنسي أنّنا أكثر المتحمّسين لتأليف الحكومة، وبالحَد الأعلى من التفاهم عليها، وهذا يوجِب أن تجلس الناس مع بعضها البعض، وصولاً الى حكومة تأخذ كل التوازنات الداخلية في الاعتبار”.
باسيل
وكان دوريل قد استكمل زياراته أمس، فزار في الرابية النائب باسيل، الذي قال بعد اللقاء: انّ “دوريل التمَسً من خلال لقائنا ان ليس لدينا أي شرط، ومطلبنا الوحيد حول الحكومة هو أن يكون هناك معيار واحد وعدالة تطبّق مع الجميع، وحتى اللحظة نحن منفتحون “وبَعدنا ما حَدّدنا موقفنا اذا مِنشارِك او ما مِنشارِك”.
وقالت مصادر مشاركة في اللقاء: انّ “باسيل أعاد ترتيب الافكار، وأجرى مطالعة لتبيان مدى مصلحته بإنجاح المبادرة الفرنسية، بدءاً من لقاء الصنوبر، وأظهَر له بالمَسار كل عملية تسهيل قدّمها التيار المتمثّلة بالقول انه يقبل بكل ما يتّفق عليه الحريري مع رئيس الجمهورية، وهذا اعتبرناه نحن قمّة التسهيل، وكان جواب الموفد الفرنسي بالموافقة على كلام باسيل”.
وأضافت المصادر: “خلاصة موقف باسيل انه عندما تكون هناك ثقة بين الفرقاء ومعاملة بالمِثل مع كل الناس، أي المعيار الواحد، لن يعود هناك أي سبب لتأخير الحكومة”.
ولفتت المصادر الى انّ باسيل قال لدوريل: “إسأل الحريري بيقِلَّك ما في شي بالشخصي بَيني وبَينو، وما في الّا كل مودّة، وأنا ما بشَخْصِن المشاكل”.
كما أكد باسيل، بحسب المصادر المشاركة في اللقاء ” نحن أكثر المعنيين بإنجاح المبادرة الفرنسية، وليس من المعقول إلّا ان نكون إيجابيين”، مشيرة الى انّ الكلام بين دوريل وباسيل كان محصوراً بموضوع الحكومة، وأبدى الفرنسيون اهتمامهم لإنجاح مبادرتهم.
الجميّل
كذلك التقى دوريل رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، الذي أكد بدوره أن “لا إنقاذ للبنان بوجود هذه المنظومة المتحكّمة برقاب اللبنانيين، ولا فرصة إلّا بالتغيير”. ولفت الى انّ “الفرنسيين يحاولون مساعدتنا، ولكن لا تجاوب معهم كما يجب”، مشيراً إلى أنّ “الموضوع الحكومي يتراوح في شَد الحبال، وفي المنطق ذاته والنهج ذاته”.
فرنجية
وزار دوريل أيضاً، برفقه السفيرة الفرنسية في لبنان، رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية في بنشعي، وعقد معه اجتماعاً بحضور النائب طوني فرنجية وعضو المكتب السياسي في “المرده” الوزير السابق روني عريجي، تمّ في خلاله التطرّق الى موضوع تشكيل الحكومة بالاضافة الى الوضع الاقتصادي الراهن. وأبدى فرنجية رأيه في مجمل القضايا الراهنة، مشدداً على ضرورة السعي وتضافر الجهود من أجل الوصول بلبنان الى برّ الامان.
جعجع
وزار دوريل والوفد المرافق أيضاً، رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في المقر العام للحزب في معراب، في حضور النائب بيار بو عاصي وروجيه راجح عن جهاز العلاقات الخارجيّة في الحزب.
وأشارت مصادر “القوات” الى انّ الموفد الفرنسي شدّد على الإسراع في تشكيل الحكومة، منبّهاً الى انّ التأخير فيها سيؤدي الى عدم انعقاد اي مؤتمرات لمساعدة لبنان.
وقد سلّم جعجع دوريل رسالة الى الرئيس ماكرون، لكي يقوم بدوره بتسليمها الى الامين العام للامم المتحدة، لكي ترسل المؤسسة الدولية لجنة تقصّي حقائق للتحقيق بانفجار بيروت بُغية الوصول الى الحقيقة في لبنان.
ماذا بعد؟
الى ذلك، قدمت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” خلاصة لمهمة دوريل، تضمنت ما يلي:
أولاً، لا وجود لأيّ تعقيدات من شأنها إعاقة تأليف الحكومة، من قبل الثنائي الشيعي، او من تيار “المرده” أو من “الحزب التقدمي الاشتراكي”. وهو ما تم تأكيده للموفد الرئاسي الفرنسي.
ثانياً، إنّ العُقَد كامنة بين رئيس الجمهورية ومعه باسيل، وبين رئيس الحكومة المكلّف، وتتركّز حول حجم الحكومة، وحجم المداورة في الوزارات السيادية حيث لم يحسم بعد مصير وزارة الداخلية التي عاد وطالبَ بها الرئيس المكلف، وكذلك الامر بالنسبة الى الحقائب الخدماتية الاساسية، ونوعية الحقائب التي ستسند لفريق رئيس الجمهورية، وتحديداً وزارة الطاقة التي يبدو انّ الرئيس المكلف عاد ايضاً وطالبَ بأن تكون من ضمن حصته وبأن يسند لها وزير سني، على أن تُعطى حقيبة التربية لفريق رئيس الجمهورية. اضافة الى أسماء الوزراء الذين يصرّ الحريري على ان يتم اختيارهم بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، مع الاشارة الى انّ رئيس الجمهورية قدّم مجموعة اسماء الى الرئيس المكلّف، لكنه لم يوافق عليها.
ثالثاً، إنّ دعوة رئيس الجمهورية الى تفاهم واسع على الحكومة تحتاج الى توضيح، فهو يدعو الى حوار، ولكن بين مَن ومَن، فهل المقصود بها فقط إجراء حوار بين الحريري وباسيل وربما هنا بيت القصيد، ام إجراء حوار واسع مع كل الاطراف السياسية، ومن ضمنها الاطراف المعارضة، وتحديداً تلك التي أعلنت انها ترفض المشاركة في حكومة محاصصة سياسية، بل في حكومة اختصاصيين مستقلين مثل “القوات اللبنانية”؟. فضلاً عن انّ هذه الدعوة لن يكون في إمكانها الوصول الى هذا التفاهم، خصوصاً انّ هناك تجربة مماثلة حصلت خلال تأليف حكومة مصطفى أديب، حينما اقترح عون إجراء مشاورات مع الكتل والاطراف السياسية، والتي انتهت آنذاك الى مقاطعة أطراف اساسية لتلك المشاورات، مثل “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
رابعاً، انّ التأليف يمر في قطوع صعب جوهره الاساس عدم الثقة، بين منطقين، يتحفّظ الأول من الأساس على ترؤس الحريري للحكومة، وهو ما جرى التعبير عنه بوضوح شديد في الكلمة الرئاسية التي سبقت استشارات التكليف، ودعا فيها رئيس الجمهورية النواب الى تحكيم ضمائرهم والحذر من تداعيات التكليف والتأليف، ودخل مرحلة التصلّب في الآونة الأخيرة بعد صدور العقوبات الاميركية على باسيل، حيث يبدو انّ هذا الفريق يحاول ان يعوّض في الحكومة شيئاً مِمّا خَسره في العقوبات، رافضاً أن ينظر اليه في موقع الضعيف سياسياً ومعنوياً. أمّا المنطق الثاني، الذي يمثّله الرئيس الحريري، فمصرّ على حكومة يريدها متحرّرة بالكامل مما يعتبره “الضغط الباسيلي”، وفرصة لاستعادة حضور اهتَزّ جرّاء عوامل داخلية وخارجية، وتحمل في الوقت نفسه بعض التغيير عن نمط الحكومات السابقة.
خامساً، وهنا الأساس، الخشية من أن تُبادِر باريس الى توجيه صفعة معنوية كبرى للطاقم السياسي في لبنان، وتعلن بكل صراحة سحب يدها من لبنان، وتعلن للسياسيين بأنّ فرنسا ليست موظّفة عندكم، وتتوجّه إليهم بما يفيد بأنها حضرت الى جانب لبنان وتحسّست أزمته وتعاطفت مع ما أصابه، خصوصاً في انفجار المرفأ، وتفرّغت له، وقدّمت فرصة ثمينة وغير مسبوقة في سبيل إنقاذه وإنعاشه اقتصادياً، وشجّعت على إعادة انتظام وضعه وتشكيل حكومة، ورغم كل ذلك جرى تفشيلها وإحباط مساعيها.
تقول المصادر انّ الموفد الفرنسي لم يحضر الى لبنان في زيارة استجمام، بل حضر في مهمة حَثّ على التعجيل في تشكيل الحكومة، ولا يبدو أنّه تلقى التجاوب المطلوب معه، خصوصاً من أطراف الخلاف، وهو وإن كان قد استخدمَ نبرة هادئة جداً في مقارباته للمشهد اللبناني، ومن ضمنه المشهد الحكومي، فإنّ هناك معلومات مؤكّدة مصدرها باريس، خلاصتها انّ مهمة دوريل محددة بهدفين: الأول علني، وهو أن ينجح في إقناع اللبنانيين بالتعجيل في تشكيل الحكومة. أمّا الهدف غير العلني فهو أنه في حال الفشل، أن يتم الانتقال تِبعاً لذلك الى الخطوة التالية المنتظرة من الفرنسيين، وهي طَي المبادرة الفرنسية نهائياً، وانسحاب ماكرون من المسعى التوفيقي والانقاذي في لبنان، وكذلك دفن مؤتمرات الدعم التي وعد الرئيس الفرنسي بتجييشها دعماً للبنان، وأيضاً صَرف النظر عن الزيارة التي وعد ماكرون بالقيام بها الى بيروت في كانون الاول المقبل، وحتى ولو حصلت فإنها ستشكّل كسرة معنوية للطاقم السياسي كله في لبنان، حيث قد يأتي ويغادر من دون أن يلتقي أياً منهم، إذ قد تقتصر فقط على زيارة للوحدة الفرنسية العاملة في إطار قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة.
وتَخلص الى القول: إنّ وصول الامور الى الانسحاب الفرنسي من لبنان، مَعناه انّ لبنان اصبح مكشوفاً بالكامل، فلا غطاء فرنسياً، كما لا غطاء أميركياً كما هو واضح بالنظر الى الانشغال الاميركي بارتدادات الانتخابات الرئاسية، يُضاف الى ذلك ان لا غطاء عربياً وخليجياً على وجه التحديد. فأيّ لبنان سيبقى في ظل هذا الانكشاف؟! مع الاشارة الى انّ من خسر الغطاء الاميركي وفُرضَت عليه عقوبات، سيخسر الغطاء الفرنسي ايضاً، ولن يحظى بالتالي بأيّ غطاء عربي، فأيّ وضع سيكون عليه بعد هذا “التزليط”؟!!
لا يريدون الاصلاحات!
في سياق متصل، تكشف المصادر الواسعة الاطلاع معلومات ديبلوماسية واردة من العاصمة الفرنسية، تفيد بأنّ الملف الحكومي اللبناني يتعرّض الى عرقلة متعمّدة من قبل سياسيين نخشى أنهم يربطون تشكيل الحكومة في لبنان بما ستنتهي إليه صورة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية، ظنّاً منهم أنها قد ترتَدّ عليهم بمكاسب وبما يعزّز وضعهم السياسي. فإن صَحّ هذا الأمر، فهو بالتأكيد رهان على وَهم، إذ إنّ لدى الادراة الأميركية ثوابت مهما كانت هوية الرئيس الأميركي، وحتى ولو فاز جو بايدن رسمياً فلا أحد يستطيع الجزم بتوجّهاته. وخلال هذا الوقت، إنّ الشعب اللبناني يموت من الجوع، فهل يمكن بعد انتظار شهر أو اثنين؟ بالتأكيد لا!
وتَنسب تلك المعلومات الى نواب فرنسيين قولهم: “ما نراه في لبنان ليس انتظاراً للانتخابات الاميركية، بل عدم اندفاع من قبل القادة اللبنانيين نحو تشكيل حكومة تعمل على إنقاذ بلدهم وإعادة بناء اقتصاده، لأنّهم بكلّ بساطة يهربون من إجراء الإصلاحات التي من شأنها أن تقوّض الأسس التي يرتكزون عليها”.
السفيرة الاميركية
في سياق متصل، وفي موقف اميركي متصل بالعقوبات وبالشأن الحكومي، اعلنت السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا “اننا ما زلنا نستعمل سياسة الضغط على “حزب الله”. وباسيل بعلاقته مع “حزب الله” يغطّي سلاحه، فيما الأخير يغطّي فساده. ولم نبتعِد بعد، كما دول الخليج، عن لبنان، فهذا ما لم نقم به بعد”.
وقالت: “سوف نصرّ على مواقفنا، واذا لم نفعل ذلك فسيعودون الى فسادهم، ولا أحد سوف يساعدهم بتاتاً الّا اذا رأينا تقدّماً خطوة بعد خطوة، ولن يكون هناك شيء مجاني بعد اليوم”.
أضافت: “كان شرطنا لمساعدة لبنان الابتعاد عن وزارة الصحة لقرب وزير الصحة من “حزب الله”، والتعامل مع مؤسسات صديقة وموثوق بها، كالجامعة الاميركية والجيش اللبناني”.
ولفتت الى “اننا لم ندعم الحكومة الاخيرة لأنّ الذي شكّلها هو “حزب الله”، لكننا وقفنا الى جانب الشعب اللبناني وسوف نرى ماذا سيكون شكل الحكومة المقبلة لنحدد موقفنا”.