في اللقاء التضامني مع «المنار» الذي أقيم أمس إحتجاجاً على قرار شركة «نايل سات» إنزالها عن قمرها، بدا جميع الحاضرين من إعلاميين ورؤساء مجالس إدارة قنوات محلية، وسياسيين وأكاديميين، كمن يستشعر خطراً، وكأن «الموسى» ستصل إلى ذقنه. علا الصوت بالتصويب على الدولة اللبنانية وعجزها عن قوننة وحماية مؤسساتها الإعلامية.
صوبت السهام مباشرة الى من حاول خنق الصوت وطمس الصورة: السعودية التي تريد اليوم العودة إلى «عصر الجاهلية» في زمن كُسرت فيه الحواجز الجغرافية والبشرية. هو اللقاء الثاني في فندق «كورال بيتش» (الجناح- بيروت) بعيد انعقاد الأول في كانون الأول (يناير)، على خلفية إنزال القناة أيضاً عن قمر «عربسات». وقبل ذلك شهدنا لقاء تضامنياً أيضاً مع «الميادين» للسبب نفسه. في أقل من خمسة أشهر، صدر قراران عن «عربسات» (تملك فيها السعودية الحصة الأكبر)، و«نايل سات» (المصرية)، ليستهدفا قناة «المنار»، تحت ذرائع مختلفة آخرها «إثارة الفتن الطائفية». القناة التي قصف العدّو الإسرائيلي مبناها في تموز (يوليو) 2006 وعادت بعد دقائق قليلة لتورد هذا الإستهداف الوحشي كخبر عاجل على شاشتها، تواجه اليوم حملة منظمة تقودها السعودية بغية تغييب صورتها عن شاشات العالم، والضغط كي تطفئ شعلتها. وهذا ما ذهب إليه رئيس لجنة الإعلام والإتصالات النيابية النائب حسن فضل الله، مشيراً إلى أنّ ما تواجهه «المنار» ليس قراراً سعودياً فحسب، بل «جهد منسق من محاور عدّة» إسرائيلية وسعودية وأميركية وغيرها تستهدف «المقاومة»، بدأ في تموز 2006 وتظهّر اليوم علناً بعد 10 سنوات.
من جهته، رأى رئيس مجلس إدارة «المنار» إبراهيم فرحات أنّ قرار الحجب لا يأتي مصادفة، بل إنّه صادر عن «جهة واحدة»، مشيراً إلى أنه قرار «سياسي بإمتياز»، خرج عن أي إطار مهني وقطاع التعاقدات التجارية. وسخر فرحات من حجج «نايل سات» لإنزال «المنار» عن قمرها بينها نقل المحطة لتصريحات المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، ومضمون مقال نشر في صحيفة «عكاظ» السعودية بأن «الوضع في لبنان خطير»، متسائلاً «هل أصبح النقل جريمة؟».
تذكير الدولة بضرورة
إمساك القرار في مسألة قوننة قطاع البث الفضائي
الى جانب تظهير حجم مشهدية التضامن مع قناة «المقاومة»، كان هناك إجماع على الكلمات التي تتالت على المنبر، لتذكير الدولة بضرورة إمساك القرار في مسألة قوننة قطاع البث الفضائي، وعدم ترك الساحة لشركات خاصة وغير لبنانية للتحكم بالبث، وإخضاع القنوات اللبنانية لمزاجية وسياسة المتحكمين ومن هم وراءهم بها. فرحات رمى المسؤولية عند الدولة اللبنانية، من خلال حثها على ممارسة «سيادتها» الإعلامية، من جديد بإقتناص فرصة هذا التحكم الإعتباطي بالبث الفضائي، عبر إمتلاك قمر صناعي خاص (وقد لا يجد طريقاً اليوم الى إنشائه) أو بإستئجار حيز على الأقمار الموجودة على «نايل سات» و«عربسات»، على أن تكون الدولة راعية لهذا الإستئجار قانونياً ومسؤولة عن مضمون ما يبث عليها.
هذا الإقتراح الأقرب الى الواقع، تناوب المتحدثون على تداوله. في كلمته التي ألقاها بالنيابة عن وزير الإعلام رمزي جريج الذي تغيّب «لأسباب قاهرة»، لفت المدير العام لوزارة الإعلام حسان فلحة إلى ضرورة أن يكون بث القنوات خاضعاً للقوانين اللبنانية، فيما ما يحصل اليوم «يفقد حريات الإعلام» ويخضع مضمونه لقوانين شركات الأقمار الصناعية على حد تعبيره، لكن من خلال كلام فلحة أنّ «علينا التشدّد في تطبيق القوانين»، بدت هناك نية باستخدام القانون كأداة مصلتة على رقبة هذه القنوات، ما يثير حكماً الريبة في الإنتقال من الحكم الإعتباطي لشركات الأقمار الصناعية الى محاولة تقويض وسائل الإعلام اللبنانية، ما أثار حفيظة بعض الحاضرين.
رئيس «المجلس الوطني للإعلام» عبد الهادي محفوظ تقاطعت كلمته أيضاً مع الإقتراح المذكور آنفاً، بضرورة إتخاذ خطوة عملية، وإخضاع آلية البث الفضائي للقوانين اللبنانية، على غرار إيران التي تطبق هذا النموذج وتظل في منأى عن أي قرارات تعسفية أكان من «عربسات» أو «نايل سات». كما كانت هناك مداخلة لنائبة رئيس مجلس إدارة «الجديد» كرمى خياط، دعت فيها الى تحويل اللقاءات التضامنية مع الإعلام الى حلقة ضغط ترشد الدولة الى ضرورة حماية الإعلام. وذكّرت خياط بمعركة محطتها أخيراً مع «المحكمة الدولية» وكيف كان إحتمال إعتقالها هو الأسهل بين ما كان يُعدّ. وصوّبت خيّاط بشكل أساسي على الدولة وعجزها عن حل كل الملفات الحياتية والحساسة، ومن ضمنها قضية القناة مع المحكمة الدولية والتنصل من مسؤولياتها.
عادة ما يحضر عدد من الفنانين اللقاءات التضامنية، لكنها المرة الأولى التي يعتلي فيها نقيب الممثلين جان قسيس منبر اللقاء التضامني مع “المنار”. كانت تلك لفتة هامة في كسر “أحادية” المنابر للسياسيين والإعلاميين والمعنيين لتركه لأصوات أخرى. قسيس أكدّ بنبرة عالية تضامنه الكامل مع المحطة “الإعلامية المقاومة” التي تحارب إسرائيل والجماعات الإرهابية، مشدّداً على أنّ “صوت المقاومة لن يخمد لأنّ دم الشهداء أقوى”.
ناشر صحيفة «السفير» طلال سلمان اختزل القناة بعبارة «صوت الذين قدموا دماءهم من أجل تحرر الوطن». ووسط هذا الحصار الفضائي السعودي الذي يحاول إطفاء قناة “المقاومة وفلسطين، ورفض الإحتلال وحق الشعوب المستضعفة” وسلسلة العقوبات الأميركية على «حزب الله» التي تخرج بين الفينة والأخرى ومن ضمنها محاصرة «المنار» على حد تعبير سلمان، يؤّمل أن يعاد ترتيب البيت الداخلي اللبناني، لمنع مصادرة القرار الوطني، وكمّ الأفواه، وتغييب الصوت والصورة بفعل سطوة المال!
إيطاليا تتضامن
كان لافتاً في اللقاء التضامني أمس مع «المنار»، كلمة الصحافي الإيطالي روبرتو باولو الذي كشف عن زيارة وفد من القناة إلى إيطاليا في 25 من أيار(مايو) القادم «لنقل صوتها إلى أوروبا». الصحافي الذي كان يتحدّث بإسم مجموعة «باندورا» الإعلامية الإيطالية، إعتبر أن عصرنا اليوم يختلف عن الماضي، ولا نريد العودة إلى القرون الوسطى. عصر كما قال، أصبح فيه الإعلام أقوى من الدبابات. وأضاء الصحافي على ما يحصل اليوم من «حملة شرسة» على الإعلام لكتم صوته، على غرار ما حصل مع قناة «برس. تي. في» الإيرانية والناطقة بالإنكليزية التي حجبت أوروبياً. كما كشف عن محاولة حثيثة تجري للتعتيم على قناة «روسيا اليوم» لتلحق بالقناة الإيرانية.