تصدرت العملية الأمنية النوعية التي نفذتها “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الداخلي في طرابلس واجهة الاهتمام السياسي المحلي والخارجي، لما حملته من “صيد ثمين” عبر توقيف الشيخ خالد حبلص أحد قادة “داعش” المحليين والمسؤول المباشر عن الاعتداءات التي استهدفت وحدات الجيش اللبناني في بلدتي بحنين والمنية في قضاء الضنية – المنية، ومقتل المسؤول البارز في “جبهة النصرة” أسامة منصور، الذي كان إلى جانب شادي المولوي المتواري عن الأنظار في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا في جنوب لبنان، على رأس المجموعة التي نظمت الاعتداءات على القوى الأمنية في باب التبانة في طرابلس.
وتم توقيف حبلص الذي كان موضع رصد تقني دقيق وملاحقة أمنية لدى خروجه من إحدى الشقق في باب الرمل في طرابلس بعد اجتماع عقده مع منصور الذي قتل لدى إطلاقه النار على مجموعة من “شعبة المعلومات” في محاولة للهرب، ولم تتعرف إليه إلا بعد مقتله.
واعتبرت مصادر أمنية لصحيفة “الحياة”، أن وجودهما في شقة واحدة، يشير إلى أنهما كانا يخططان لتنفيذ عملية يفترض أن يكشف عنها أثناء التحقيق مع حبلص.
ولفتت إلى دور حبلص ومنصور من خلال تنسيقهما في تنظيم الاعتداءات ضد القوى الأمنية في عدة مناطق في شمال لبنان، في محاولة للسيطرة في تشرين الأول الماضي على المنطقة الممتدة ما بين باب التبانة وبعض بلدات قضاء الضنية المنية تمهيداً للإعلان عن قيام “إمارة إسلامية”.
وأضافت المصادر الأمنية البارزة إن لدى حبلص كنزاً من المعلومات الأمنية والسياسية، كانت وراء طلب أحد المسؤولين الأمنيين فور وصوله إلى مكان توقيفه بضرورة التعاون مع التحقيق الذي يخضع له حالياً بإشراف النيابة العامة التمييزية.
ورأت المصادر نفسها انه باعتقال حبلص ومقتل منصور سيمكّن القوى الأمنية من الانقضاض على “الخلايا النائمة” التابعة لـ”داعش” و”النصرة” إذا كانت لا تزال موجودة، لا سيما أن العملية الأمنية أدت إلى وضع اليد على العقل المدبر والتنفيذي لهذه المجموعات، إضافة إلى كشف طبيعة الشبكات التي كانت وراء تنفيذ عمليات انتحارية، علماً أن صلاة الجمعة أمس في مساجد طرابلس والشمال مرت من دون أي رد فعل على العملية النوعية.
مرجع أمني لـ”الجمهورية”
وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية»: «إنّ ما شهدَته عاصمة الشمال ليل الخميس – الجمعة طالَ انتظارُه، ويساوي خطة أمنية ثانية كاملة الأوصاف لطرابلس والشمال، بانتظار التحقيقات الجارية لمعرفة ما كان يخطّط له الإرهابي منصور والموقوف حبلص، ومعرفة الأدوات التنفيذية التي كانت تشارك في التخطيط والتحريض لعملٍ أمنيّ ما».
أضاف: «إنّ أهمّ الإنجازات التي تحَقّقت في هذه العملية أنّها وضعَت حدّاً نهائياً للشائعات والروايات التي رافقَت أحداث طرابلس في نهاية تشرين الأوّل الماضي، ووضعَت القيادات العسكرية من جيش وقوى أمن داخلي في دائرة الاتّهامات، خصوصاً تلك التي تحدّثت عن تورّطِها في عملية منظّمة لتهريب منصور والمطلوب الفارّ شادي المولوي، في الساعات التي أعلنَ فيها عن هدنة إنسانية في الأسواق الداخلية لطرابلس تزامنَت مع فرارهم من المنطقة بعد تهريب حبلص من بحنين، وذلك إرضاءً لقيادات حكومية وسياسية وحزبية طرابلسية».
ودعا المرجَع «كلّ مَن أطلقَ اتّهاماً من هذا النوع إلى الاعتذار، عِلماً أنّ على البعض منهم أن يكون على يقين أنّ ما خُطّط لأمن طرابلس وعكار والشمال، له ما يكمله مِن إجراءات أمنية تحمي الخطّة وتضَع حدّاً للعبَث بأمن المدينة والشمال، وأنّ القضاء سيكمل المسيرة نفسَها.
ولفتَ المرجَع إلى أنّ الخطة الأمنية التي أنهَت خطوط تماس رُسِمت بإتقان بين منطقتَي جبل محسن وباب التبانة دفعَت أيضاً إلى تطويق حركة مَن سَعى إلى خلقِ نقمةٍ على الجيش في طرابلس وعكّار، وعليه أن يعترف أنّها انتهَت إلى غير رجعة، وما على المؤمنين بأنّ لهم لقمةً مذهبية أو طائفية في طرابلس والشمال إلّا تعديل مخططاتهم نهائياً، وأنّ ما حصل في الساعات الماضية وما ستحمله الأيام المقبلة سيثبِت ذلك».
وأكّد المرجع أخيراً «أنّ كلّ ما أنجزَته القوى الأمنية والعسكرية في ساعات قليلة بعدَ تخطيط دقيق وتنسيق غير مسبوق بين الجيش وقوى الأمن الداخلي باتَ في عهدةِ الضابطة العدلية متمثّلةً بفرع المعلومات التي باشرَت التحقيق مع الأحياء الموقوفين تمهيداً لإحالة ملفّاتهم إلى القضاء المختص».
“التحقيق مع حبلص”
وأمس، بوشِرَت التحقيقات في شعبة المعلومات مع الموقوف حبلص الذي نُقل إلى في بيروت بعد اعتقاله مباشرةً في طرابلس بإشراف القضاء المختص.
وإذ تكتّمَت مصادر التحقيق على ما أنجِز حتى ليل أمس، أكّدت لـ»الجمهورية» أنّ ما اعترفَ به حبلص ورفيقه مهِمّ للغاية ويُلقي الضوءَ على جزء ممّا كان يخطّط له ومنصور». ورفضَت الدخول في سيناريوهات «هوليودية» وفضّلت الترَيّث حتى انتهاء التحقيقات حيث سيكون ما هو ضروريّ بتصرّف الرأي العام.
تزامُناً، كشفَت مصادر أمنية أنّ التحقيقات مع حبلص توسّعَت أمس بعدما اعترَف بهويته الحقيقية وبالأمكنة التي لجَأ اليها، فدُهِم بعضُها خصوصاً منزله الأخير في الكورة، حيث عُثر على مزيد من الأدلّة على حجم تورّطه في عمليات عدّة، وعلى هويته الحقيقية من دون أن يترك أثراً لمَا يخطّط له وأسامة منصور في المستقبل، بعدما جمعَهما من قَبل أكثرُ من لقاء قبلَ لقائهما أمس الأوّل الذي كان مرصوداً، مِن غير أن تعرف الأجهزة الأمنية أنّ أسامة منصور يشارك فيه.
وكان حبلص قد تمكّنَ من الحصول على هوية مزوّرة وغَيَّر شَكله بطريقة ملفتة، فبدا حليقَ الذقنِ، كما أنّه اكتسبَ وزناً، ما سمحَ له بالتجوّل بطريقة مريحة.
وليل أمس قالت مصادر معنية لـ»الجمهورية» إنّ التحقيقات يلزمها وقتٌ طويل، فحبلص تورَّط في عمليات ضد الجيش والقوى الأمنية، وشاركَ في تحريض الناس على المؤسسات العسكرية والأمنية، عدا عمّا يملكه من معلومات هامّة.
وشُيّع منصور والناظر في ظروف أمنية هادئة ووسط تدابير عسكرية اتّخذَتها وحدات الجيش برّاً وجوّاً حالت دونَ حدوث ما يمكن أن يعكّر صفوَ الأمن في المدينة التي استوعبَت العملية الأمنية واحتوَتها بارتياح ملحوظ، من دون ردّات فعل سوى التي أكّدت أنّ المدينة ترفض الفتنة منذ زمن.