حسين طليس – سلاب نيوز
متأخراً، إستطاع رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام تلقي الرسالة التي كان يجب أن تصله منذ اليوم الأول لإنطلاق معركة عرسال. “لبنان مهدد بوجوده لصالح حربٍ مذهبية أو تقسيم مناطقي، وذلك على يد إرهاب تغلغل في عرسال وجرودها وبات يحظى ببيئة حاضنة ودعم من الداخل حتى. لا جهة خارجية بإستطاعتها أن تؤثر على تلك المجموعات التي تفلتت من عقال الجميع بمن فيهم رعاتهم وصانعيهم، والإحتقان في الشارع اللبناني وصل الى ذروته، وفيما لو إستمر التعاطي الخجول للدولة اللبنانية مع تلك الأزمة والإستفزازات الوجودية، فإن الشارع قد يخرج عن إرادة الجميع، وقد يجر خلفه الأحزاب والجهات السياسية للسير وفق إرادة المزاج الشعبي المتعطش لدولة تحميه وإن تعثر ذلك فبديل عنها.”
رسالة ما كان يجب أن تتأخر في الوصول لو أن المصطادين في “السماء الزرقاء العكرة” قد سمحو للحمامات الزاجلة من جرود البقاع أن تصل فوراً الى السراي الحكومي، ما كلف مزيدأ من الدماء، آخرها دماء الشهيد محمد حمية، التي إستحالت سيلاً دافقاً صب في “عين التينة” بعد أن إقتلع كل ما وضع من عثرات وهمية وصخور الحسابات الفارغة بوجه صحوة الدولة، وأوصل الزجاجة التي تحمل الرسالة الى يدي سلام أثناء زيارته للرئيس نبيه بري، فكان الموقف (المتأخر) بإعلان الحرب الفعلية على الإرهاب.
شكلت عملية إعدام الشهيد محمد حمية، نقطة التحول في سياق التعاطي الحكومي مع الأزمة العرسالية، فإقدام جبهة النصرة على تصفية الشهيد حمية وما سبقه من إستهداف للجيش بعبوة ناسفة أدت الى إستشهاد عنصرين، شكلت دليلاً صارخاً على أن القطريين والأتراك أعجز من الحفاظ على الضمانات التي قدموها، وأضعف من “المونة” على من يدعمون ويجهزون، أما وإن كانوا عكس ذلك فإنهم اليوم يمارسون الرياء على الدولة اللبنانية وحكومتها، وفي جميع الأحوال فإن ضماناتهم المقدمة ووعودهم بالحلحلة قد غارت في أرضٍ إمتصت بالأمس دماء شهداء الجيش، ما إقتضى العودة الى العقل والمنطق القائل بوجوب مواجهة إرهاب لا يفهم الا لغة القوة والحسم.
من عين التينة، وبعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، خرج سلام بإعلان الحرب على الإرهاب قائلاً:” سعينا الى التفاوض مع الارهابيين عبر وسطاء، فلم يجيبوا بايجابية ورأينا ما أقدموا عليه أمس، لن نفاوض والقتل قائم، بل المفاوضات تبدأ بوقف القتل… خيارنا المواجهة، بقرار موحد خلف الجيش والقوى الامنية ولن نتنازل للارهابيين عن أي شيء”. الجيش لاقى سلام بإعلانه القدرة على خوض المواجهة عبر بيان أكد فيه على “الإستمرار في اجراءاته الميدانية المشددة لحماية المواطنين، وهو متمسك بحقه في استخدام كافة الوسائل المتوافرة لديه، ولن يتهاون مع الجماعات الارهابية أينما وجدت، ومهما بلغت التضحيات”. وبعد التصريح والبيان تبلور القرار في الإجتماع الأمني الي دعا له سلام عصراً والذي خرج ببيان شكل خلاصة مقررات المرحلة القادمة، تضمن تأكيداً على “ضرورة متابعة المواجهة التي يقوم بها الجيش والقوى الامنية ضد القوى التكفيرية ورفض الابتزاز والمساومة على بطولات الجيش وكرامة الوطن”. مشدداً على”وقوف الحكومة صفا واحدا وراء قواها العسكرية تحت وطأة التهديدات وتنفيذها التي عرقلت جهود التفاوض”. كاشفاً عن “إعطاء التوجيهات لقيادات الجيش والقوى الامنية بإتخاذ كل التدابير الآيلة الى تطبيق الخطط العسكرية الموضوعة وعدم التهاون مع كل ما يهدد سلامة لبنان ومنطقة عرسال وجرودها”.
تصريحات ومقررات ترجمت ميدانياً حمماً مصبوبة على مسلحي عرسال وجرودها، حيث أكدت مصادر أمنية لـ”سلاب نيوز” أن الإستهداف المركز والقصف العنيف لمراكز لم يتوقف منذ ما بعد ظهر أمس، حتى فجر اليوم، وقد وصل معدل القصف إلى حد سقوط أكثر من 30 قذيفة وصاروخ في الدقيقة على جرود عرسال أدت الى سقوط خسائر كبيرة في صفوف المسلحين، ما دفع جبهة النصرة الى إصدار بيان حمل في ظاهره تهديدات في حال لم يتوقف القصف قبل الفجر، وفي باطنه دلالة على حجم الإرباك الذي يعاني منه المسلحون بسبب غزارة القصف.
وكشفت المصادر عن أوامر جديدة تلقتها قيادات الأجهزة الأمنية في البقاع بأخذ أقسى التدابير الإحترازية والجهوزية التامة من أجل مواجهة أية ردة فعل قد تحصل في بعض المناطق أو أي هجوم مفاجئ قد يشنه مسلحو عرسال رداً على القصف العنيف الذي يستهدفهم، كذلك تلقت الأجهزة الأمنية في طرابلس وباقي المناطق اللبنانية، أوامر مشابهة. في دليل واضح على أن القادم هو “الجَد” وإن كان متأخراً وملطخاً بدماء شهداءٍ ظلمتهم “الحسابات” الخاطئة.