حملت ساعات الليل الفائت أنباء مفرحة لأهالي الاسرى العسكريين وللبنانيين جميعا تمثلت في مفاجأة اطلاق خمسة من الاسرى لدى جبهة النصرة هم: احمد غية، ابرهيم شعبان ، صالح البرادعي ، محمد القادري ووائل درويش . وجاء الإعلان عن هذه المفاجأة على لسان قيادي في “جبهة النصرة” كشف لوكالة “الاناضول” التركية اطلاق الاسرى الخمسة الذين تعمد الإشارة الى انهم الاسرى ” السنة ” لدى تنظيمه موضحا انهم سلموا الى الشيخ مصطفى الحجيري ( ابو طاقية ) في عرسال وسيتم تسليمهم غداً الى ذويهم .
ولم تتوافر اي تفاصيل حتى منتصف الليل الفائت عن طبيعة التطورات التي أدت الى اطلاق جبهة النصرة للأسرى الخمسة ولكن المفاجأة السارة فتحت باب الأمل ولو بحذر شديد على احتمال تمدد هذا الانفراج الى سائر الاسرى الاخرين لدى النصرة وتنظيم داعش . ولم يخف هذا التطور تساؤلات اثيرت في اتجاهات ثلاثة على الأقل : من هي الجهة الوسيطة التي نجحت في تحقيق هذه الخطوة ؟ وما هي طبيعة الوساطة التي لا بد ان تكون الحكومة اللبنانية طرفها الاخر بمعنى هل بدأ تنفيذ اتفاق ما كان اطلاق الاسرى الخمسة طليعته ؟ وهل ما يسري على النصرة ينسحب على داعش ام ان الوساطة تختلف مع التنظيمين ؟
وكان المشهد الداخلي في نهاية الاسبوع الحالي انطوى على تصاعد واسع للاحتقانات التي تركتها قضية الاسرى العسكريين لدى التنظيمات الأصولية المتطرفة ولا سيما منها داعش وجبهة النصرة وهي القضية المتوهجة التي باتت ترخي بتداعيات ملتهبة على الشارع في أنحاء لبنانية مختلفة ولكن بشكل اساسي في البقاع الشمالي والشمال . والواضح ان التعقيدات الكبيرة والبالغة الصعوبة لهذه القضية حاصرت الحكومة والجهات الرسمية من سياسية وعسكرية وأمنية حصارا تاما بحيث صارت الأولوية المطلقة التي لنم يعد ممكنا بعد تطوراتها الاخيرة في الساعات الثماني والأربعين الماضية القفز للحظة فوقها نظرا الى العوامل والمعطيات الآتية :
– لقد حركت التنظيمات الارهابية بقوة غير مسبوقة انفعالات أهالي العسكريين الاسرى من خلال التلاعب الدعائي الترهيبي الذي يتمثل بإشعال المخاوف على حياة الاسرى عقب توزيع صورة ذبح مزعومة لأحد العسكريين ومن ثم اتباعها بتوزيع شريط فيديو لتسعة عسكريين اخرين يناشدون أهاليهم التحرك والتظاهر والمطالبة بانسحاب حزب الله من سوريا تحت طائلة تهديد الخاطفين بالشروع في قتل الاسرى . هذه الانفعالات ترجمت بشكل غير مفاجئ امس في نزول أهالي العسكريين وجموع من المواطنين الى الشارع سواء في الشمال حيث قطعت طريق طرابلس في نقطة القلمون كما طريق المحمرة في عكار او في البقاع الشمالي في بلدتي اللبوة وطليا من قضاء بعلبك . وهي حركة مرشحة مرشحة للتصاعد بطبيعة الحال نظرا الى اشتداد المخاوف على حياة الاسرى .
– في زاوية غير محسوبة ايضا جاءت قصة احراق شبان رايات داعش في الأشرفية لتسلط الضؤ على تصاعد انفعالات في شارع آخر . ومع ان الحادث في ذاته لا يعد أمرا جسيما فان اتصاله بمسألة شعائر دينية ولو من منطلق التعبير عن إدانة الارهاب الداعشي برز من خلال تحرك فوري لوزير العدل اللواء اشرف ريفي في إحالة الحادث على النيابة العامة. ولكن بعض ردود الفعل على خطوة ريفي ولا سيما في ظل توكل النائب ابرهيم كنعان عن الشبان الذين احرقوا الرايات من شانه ان يفاقم ايضا حالة سياسية وإعلامية مشدودة ومتوترة علما ان الطابع الفردي للحادث ينفي عنه اي خلفية للتعرض للشعائر الدينية .
– اما بيت القصيد فيبقى في معرفة واستكشاف ما اذا كانت تحركت فعلا وساطات ذات صدقية وفعالية قادرة على احياء قناة تفاوضية بين الجهات او الأشخاص الوسطاء والخاطفين بموافقة الحكومة اللبنانية . هذا الامر بقي طي التكتم ولكن لاحت في الساعات الاخيرة بعض الإشارات الى امكان ان تكون وساطات معينة قد بدأت عملها وجاء اطلاق الاسرى الخمسة ليلا ليعزز هذا الانطباع ولو من دون معطيات ثابتة بعد . من هذه الإشارات لقاء ثنائي عقد امس بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق المعنيين الاساسيين بملف الاسرى العسكريين ، كما بروز ملامح لإعادة تحرك هيئة العلماء المسلمين التي كانت علقت وساطتها قبل ايام . وفي اي حال فان الساعات المقبلة قد تحمل بعض المعطيات الواضحة . ولعل الجديد الذي برز في هذا السياق هو إبلاغ الرئيس سلام مساء امس وفداً من أهالي الاسرى ان الحكومة شكلت خلية ازمة لقضية الاسرى مشددا مرة جديدة على أولوية هذه القضية الامر الذي عكس مضي الحكومة في تطوير إجراءاتها لملاحقة ملف الاسرى ساعة بساعة ومحاولة نقل التأزم من طور التهديدات التي يطلقها الخاطفون الى مرحلة تفسح للوساطات بان تأخذ مجراها.
“النهار”