هذا الكتاب ورد الى جمعية اليازا من السيدة خلود مبارك الحلو :
عذراً من الشاعر محمود درويش فهذه المرة لم يكن بين ريتا وعيوني بندقية … بل بين ريتا وعيوني رصيف كانت تقف عليه .
بين ريتا وعيوني قلة مسؤولية وقلة ضمير.. بين ريتا وحرقة قلوبنا إهمال دفع بإمرأة طائشة تقود جيباً بسرعة غير معقولة دخلت موقف محلات الــ” Abeille d’or” في جبيل بسرعة كبيرة لتضرب ريتا التي كانت تحمل إبن اختها ذا الثلاث سنوات وتجزيهما أرضا.
كانت ريتا ليل الأربعاء ٨ تموز برفقة اختها المغتربة التي ما لبثت أن جاءت بعد غياب طويل من كندا قبل أيام برفقة إبنتيها، وأكبرهن تبلغ الثالثة عشر من عمرها، وإبنها نايسن البالغ من العمر ثلاث سنوات والتي كادت أن تخسره في لبنان .
جاءت مع عائلتها كي يتعرف أولادها على وطنهم الأم، فما كان بأولادها إلا ان رأوا واحدة من أبشع صور هذا الوطن، فالحادثة جرت على مرأى هؤلاء الأطفال بالإضافة إلى إبن ريتا الصغير ( ٩ سنوات) الذي رأى والدته تقتل أمام عينيه.
نعم ريتا لم تمت بل قتلت ودُهست بالسيارة ثلاث مرات عندما حاولت تلك المرأة الفرار من موقف السيارات بعد أن صرخ بها الرجل الذي كان برفقتها طالبا منها الفرار فيما كان الناس هناك يصرخون لها كي توقف سيارتها لأن إمرأة ومعها طفل بيدها أصبحوا تحت السيارة! لكن المرأة غير مسؤولة لم تتوقف بل راحت ترجع وتتقدم بجيبها مرة أخرى فوق ريتا كي تتسلل بين الناس وتهرب لتتملص من مسؤوليتها .
إبن ريتا الصغير جايسن الذي رأى والدته تقتل أمام عينيه لا يزال تحت الصدمة ولا يزال يتحدث عن الحادثة بخوف ويراها في منامه وهو يشتاق لأمه ويحزن بشدة لأنه لم يعد كالأطفال الباقون كما يقول بل أصبح يتيم الأم .
إبن ريتا البكر اندرو ( ١٩ سنة) كان الأقرب لمكان الحادثة وهرع الى أمه عله ينقذها لكنه رأى إبن خالته الصغير نايسن يبكي مرمياً على الأرض ووالدته ريتا الى جانبه تصارع الموت بإنتظار سيارة الإسعاف .
وهو أيضا يعاني من هول الصدمة ومن لوعة الفراق ولا ينفك يسأل عن الذنب الذي إرتكبته أمه كي تموت دعساً على الطريق على يد تلك المرأة التي تقود السيارة بتهور في موقف سيارات مزدحم وذلك الرجل الذي حثها على الهروب وهو يتساءل كيف سمح لهم ضميرهم ان يدوسوها مِراراً ويقتلوها ويهربوا من دون أن يفكروا لحظة بأن يسلموا أنفسهم لأي مغفر علّ ذلك يبرد قليلاً من قلبه وقلوب محبيها .
الكل هرع ليلاً الى مستشفى سيدة المعونات في جبيل ليعرفوا أن نايسن ابن الثلاث سنوات أصيب برضوض كثيرة ولكنه بخير وسيبقى للمراقبة أربعة وعشرون ساعة في حين أن الفاجعة الكبيرة كانت بإنتظار الجميع وهي أن ريتا قد فارقت الحياة بعد نحو عشرة دقائق من دخولها المستشفى وذلك لأن أضلاع قفصها الصدري كلها مكسورة ودخلت في رئتيها وقلبها .
وكيف لن تكسر أضلاع ريتا وهي التي لم تتلقى ضربة واحدة بل صُدمت ثلاث مرات على يد تلك المرأة المجهولة والرجل الذي كان برفقتها إثر محاولتهم الفرار؟!
فاجعة أصابت عائلة ريتا وكل أقاربها ومحبيها، والكل أتى إلى وداعها الأخير يوم الجمعة ١٠ تموز ٢٠١٥ الكل بكى وانهار ولا سيما أخواتها وأولادها أندرو وبيتر، بطلا لبنان في بطولة كرة السلة للمدارس، وجايسن الصغير وزوجها جوني الذي أبى إلا ان يحمل نعش رفيقة دربه ليدخلها الكنيسة لآخر مرة. وهو يعلم ان المرارة ستبقى في قلبه وقلب أولاده الثلاثة ألى الأبد وأن فراغاً كبيراً سيحل مكان زوجته لن يستطيع أحد أن يملأه .
ريتا إبنة الثانية والأربعون سنة إنتقلت لتعيش في السماء موطنها الجديد حيث لا وجع ولا أناس عديمي المسؤولية ولكن من الذي سيبرد الحرقة التي في قلب زوجها وأولادها الذين يعيشون الآن اصعب أيام حياتهم ومن سيطفئ النار التي في قلوب إخوتها الذين يتأرجحون بين حزنهم على أختهم وعائلتها وبين سعيهم لمعرفة الجناة؟