إذا إستكمَل حزب «القوات اللبنانية» مسارَ «الواقعية السياسية»، ولم ينقَد الى لعبة الشعبوية التي يحاول «التيار الوطني الحرّ» جرّه إليها، فإنّه سيلتقي للمرة الأولى سياسياً مع تيار «المردة» بعد عام 1990.
بعدما أعلن رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية حضوره جلسة التمديد للمجلس النيابي والتصويت معه، تجد «القوات» نفسها أمام لحظات حاسمة، خصوصاً أنّ مسؤولية تأمين الميثاقية المطلوبة، تقع عليها.
من هنا تدرس «القوات» طريقة التراجع عن موقفها السابق الرافض التمديد، في وقت تُدرك أنّ الذهاب الى الفراغ سيؤدي حُكماً الى ما هو اخطر من تعطيل السلطة التشريعية، إذ عندها سيطير مجلس النواب الذي سينتخب رئيس الجمهورية.
وعطفاً على تحذيرات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سنصل الى مؤتمر تأسيسي، ثمّ إلى المثالثة، بما يشكل خسارة جديدة للمسيحيين، وهذا ما لن تسمح به «القوات» التي تقوم عقيدتها على الدفاع عن الحضور المسيحي الحرّ والفاعل في لبنان والشرق.
أما بالنسبة الى تيار «المردة»، فإنّه وعلى رغم الخلاف الدموي الذي طبع علاقته مع «القوات» طيلة الفترة الماضية، إلّا أنّ القيّمين عليه يتذكرون دائماً بأنّ إسم تيارهم يعود الى الجماعات التي أتت من سوريا الى جبال لبنان، واندمجت مع موارنة لبنان، وحاربت على مدى العصور دفاعاً عن الوجود الحر، وبالتالي فإنّ تيار «المردة» سيتبع في اللحظات المصيرية السياسة الواقعية، متخطّياً الحساسيات المناطقية والحزبية… والحلفاء، في آن معاً.
من جهة ثانية، تشهد الساحة المسيحية إصطفافات جديدة، إذ خرَق التمديد فريقَي «8 و14 آذار»، وبات كلّ من «المردة» و«القوات» على تباين مع حلفائهم، «التيار الوطني الحرّ» من جهة، والكتائب اللبنانية من جهة ثانية.
فتيار «المردة» أعلن انه سيُمدّد للمجلس النيابي متخطّياً موقف رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، الأمر الذي سيَزيد الشرخ بين التيارَين، خصوصاً بعدما شهدت العلاقة توتّراً في مراحل سابقة على خلفية الإنتخابات الرئاسية وتأليف الحكومة.
وعلى خط «القوات» والكتائب، فإنّ العلاقة «جليدية» على حدّ وصف النائب إيلي ماروني، ولم تكن زيارة النائب سامي الجميّل الى معراب كافية لتخفيف الإحتقان الشعبي بين الحزبين، خصوصاً أنّه خرَج بانطباع أنّ جعجع ضدّ التمديد، والكتائب التي ترفض التمديد حتى الآن تعرف أنّها رمَت كرة النار في يد «القوات» وتركتها في الواجهة، لتبقى هي على تمايزها.
قد يكون موعد جلسة التمديد أبعد من ولاية جديدة لمجلس النواب، حيث ستعود القوّتان السياسيتان المسيحيتان الى الساحة الشمالية في اتفاق جديد لعلّه يمحو آثار الماضي الثقيل، خصوصاً أنّ الرسائل السياسية مستمرة بينهما.
ولا يخفى في المجالس الخاصة أنّ «القوات» و«المردة» يرتاحان مع بعضهما البعض اكثر من حلفائهما. وعلى رغم أنّ الإتصالات بينهما لا تكفي لصَوْغ تحالفات جديدة، إلّا أنّ عوائق الماضي قد ازيلت بعد المصالحة في بكركي، وتشكيل اللجان المشترَكة، إضافة الى أنّ إرتباط الفريقين بالمحاور الإقليمية خصوصاً لجهة النزاع السوري قد تراجع ولو قليلاً، فالنظام السوري بات شبه ساقط، وكذلك المعارضة السورية التي تحوَّلت في قسم كبير منها إلى «داعش» و«جبهة النصرة».
وعلى جبهة التلاقي السياسي، فإنّ المرحلة المقبلة كفيلة بكشف خيوط اللعبة. فجرأة النائب سليمان فرنجية بمخاصمة عون المعروف عنه أنه لا يحبّذ أن يخالفه أحد الرأي، قابلها جعجع بالإيجابية، خصوصاً أنّ نزاعه مع الكتائب لا يؤثر فيه، إذا إتفق مع تيار «المستقبل»، لذلك، فإنّ التطورات الإقليمية والداخلية كفيلة، والوقت أيضاً بمحو آثار الكره بين التيارَين، لتتصالح زغرتا وبشري فعلياً، لأنّ المسيحيين يحتاجون إلى التبرّع بالدم من اجل الضحايا التي تسقط نتيجة الإرهاب لا أن يتقاتلوا ويسيل دمهم سدى.
إذاً، لا شيء يمنع أيّ تلاقٍ بين «القوات» و«المردة»، وبعد التمديد عليهما استكمال الحوار الرئاسي، فمَن تجرّأ على مخاصمة عون في التمديد يستطيع إكمال مسيرة الخصومة من اجل الموارنة ولبنان ورئاسة الجمهورية.
“آلان سركيس – الجمهورية”