جاد ابو جودة- مواقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق هذه الأيام غاية في الأهمية. فهو، في فطور لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، أعلن من قلب بيروت أن شهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” تفقد قيمتها بالنسبة إليه عندما يذبح عسكري تحت رايتها. وفي هذا القول، رد مباشر على وزير العدل أشرف ريفي، الذي كاد أن يوقف مجموعة من الشباب المتحمسين، أقدموا على حرق علم لتنظيم داعش الإرهابي في ساحة ساسين، لمجرد أنه يحمل تلك العبارات المقدسة عند المسلمين. وهو أيضاً، أقر بأن وزير العدل السابق شكيب قرطباوي هو من بدأ التعاطي الجدي مع ملف الموقوفين الإسلاميين، وسرع بدء المحاكمات.
لكن، في مقابل المواقف الإيجابية، ثمة أخرى سلبية، منها الشخصي، غير أن أكثرها يعبِّر عن الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، أي تيار المستقبل، الذي يشكل منذ عام 1992، بيئة حاضنة لمشروع ضرب الحضور المسيحي في الدولة اللبنانية، تحت شعار واه هو حماية المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف.
فبغض النظر عن سلبية تعاطي المشنوق مع الهبة الإيرانية للجيش اللبناني، حيث أعلن رفضها لأنها تتنافى وقرارات مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على طهران، وبعيداً من تشبثه بفكرة نقل مخيمات النازحين السوريين من عرسال إلى مناطق أخرى، وهو ما يرفضه التيار الوطني الحر، معتبراً أنه يعرض لبنان لتكرار التجربة السوداء للمخيمات الفلسطينية الموجودة في الداخل، والخارجة على سلطة الدولة، تبقى الإشارة إلى المضمون اللافت لكلامه حول الانتخابات الرئاسية والنيابية، وهو موجه حتماً إلى سمير جعجع وأمين الجميل.
ففي الموضوع الأول، بالغ المشنوق في تبرير دخول داعش والنصرة إلى لبنان بما وصفه “قهر السنّة” في لبنان، الذي بدأ باغتيال رفيق الحريري ثم إبعاد سعد الحريري عن رئاسة الحكومة. فأين رفيق وسعد الحريري في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس؟ وأصلاً، هل يجوز ربط حماية البلد من الإرهاب بوجود شخص ما على رأس الحكومة، مهما كانت أهميته وموقعه “الأكبر من لبنان” كما قال المشنوق؟ أضف إلى ذلك أن الوزير الذي استهجن مراراً قبول البعض بوصول نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة لأنه “لا يمثل”، عاد فقال إن رئيس الجمهورية في لبنان لا يمكن أن يكون إلا وفاقياً.
أما في الموضوع الثاني، فأكد المشنوق أنه وتيار المستقبل لا يريدان انتخابات نيابية الآن، وذلك بذريعتين: واحدة قد تكون واقعية، هي الفلتان الأمني، وثانية فيها من المزايدة ما هو فاقع، أي رفض انتخاب النواب قبل انتخاب الرئيس. غير أن أبرز ما قاله المشنوق أدلى به في معرض رده على سؤال عن الترشيحات التي قدمها حزبا القوات والكتائب في وجه مرشحين مسيحيين ينتمون إلى تيار المستقبل، أي تحديداً المقاعد المسيحية في بيروت وطربلس، حيث وصفها حرفياً بالترشيحات “الدونكيشوتية|، مستغرباً إياها بشفاتيره المقلوبة بالقول: “إنو معقول يعني ترشيحات في وجه عاطف مجدلاني ونبيل دو فريج وسيرج طورسركيسيان وباسم الشاب؟ شو هالمزحة هيدي”. ثم أردف قائلاً: “لست متأكداً هل تجري الانتخابات أم لا، لكني أجزم بأن مرشحي القوات والكتائب في الدوائر التي يعود القرار فيها إلى تيار المستقبل، لن يصبحوا نواباً لأن القرار ليس لتيار المستقبل”.
باختصار، كلام المشنوق صفعة لحلفائه المسيحيين، ولاسيما في النقطتين الرئاسية والنيابية، وهو تأكيد للرأي العام بأن موقفهم من الرئاسة والنيابة خاطئ، بدليل مواقف المشنوق من الملفين. فهل يسمع الحزبان، فيجريان جردة حساب ضمير، لا بد أن تظهر لهما حجم الخطأ المرتكب في 15 أيار 2013، يوم أسقطا اقتراح القانون الأرثوذكسي، وضخامة الجريمة المستمرة اليوم، برفض وصول المسيحي الأقوى إلى رأس الدولة؟ أنا أشك، وأعتقد أنها قناعة غالبية الناس كذلك.